السابع من أكتوبر الماضي انتخب المغاربة أعضاء مجلس النواب (الغرفة الأولى) البالغ عددهم 395 نائبا، لكن بسبب الأزمة السياسية التي ما زالت تحول دون تشكيل الحكومة في المغرب فإن البرلمان بغرفتيه معطل، وأعضاء الغرفتين الأولى والثانية بدون عمل، ومع ذلك يتلقون أجورهم الشهرية بانتظام.
ويبلغ عدد البرلمانيين المغاربة في الغرفتين 671 عضوا، وكل برلماني يتقاضى 36 ألف درهم شهريا، أي ما يعادل 3,734 يورو، دون احتساب التعويضات عن التنقل والإقامة ورئاسة الفرق واللجان، ومجموع ما يصرف للبرلمانيين المغاربة شهريا هو 24,156,000 درهما مغربيا أي ما يعادل 2,263,900 يورو.
وإذا علمنا أن البرلمان المغربي شبه عاطل عن العمل منذ نهاية دورته الربيعية الماضية، يمكن أن نقدر عدد الأيام والشهور التي قضاها البرلمانيون المغاربة في عطالة تامة، وبالمقابل احتساب المبالغ المالية الكبيرة التي تهدر من أموال دافعي الضرائب. في الولاية الحكومية المنتهية، والتي قادها حزب “العدالة والتنمية”، يفتخر قادته بأن أحد أهم إنجازاتهم هو تطبيق مبدأ “الأجر مقابل العمل” ضد الموظفين المضربين عن العمل والمتغيبين، وهم من يوصفون في المغرب بـ “الموظفين الأشباح”، أي الذين لا يداومون ومع ذلك يتقاضون أجورا شهرية دائمة.
والوضع الذي يوجد عليه البرلمانيون المغاربة الآن يجعلهم في حالة عطالة تامة ومع ذلك تُصرف لهم أجورهم الشهرية بدون أي عمل، بل أن بعض أعضاء مجلس النواب المنتخبين في شهر أكتوبر الماضي لم تطأ أقدامهم مبنى البرلمان إلا يوم الافتتاح الرسمي للموسم التشريعي، والحضور يكون فيه إلزاميا على جميع البرلمانيين بما أن الملك هو من يفتتح دورة البرلمان رسميا، ومن بين هؤلاء البرلمانيين 125 عضوا من أعضاء حزب “العدالة والتنمية” الذي يفتخر قادته بتطبيق مبدأ “الأجر مقابل العمل”، بل ومن بينهم وزراء في الحكومة السابقة ممن عملوا على تطبيق هذا المبدأ على موظفي الوزارات والإدارات التي رأسوها من خلال إعمال آلية الاقتطاع القسري من أجرة الموظفين المعاقبين من المصدر.
هناك من سيعتبر أن مبدأ “الأجر مقابل العمل” لا يسري على البرلمانيين، بما أنهم ليسوا موظفين وبالتالي ليسوا أجراء حتى يحتسب أجرهم بناء على عملهم، كما أن علاقتهم بالمؤسسة البرلمانية تختلف عن علاقة الموظف بالإدارة التي هي علاقة نظامية.
لكن علاقة البرلماني بالمؤسسة التي ينتمي إليها، والمفروض أنها تمثل نواب الشعب، هي علاقة تعاقدية، وبالتالي فهي أكبر من العلاقة النظامية التي تربط الموظف بإدارته. والتعاقد في حالة البرلماني تجاه الشعب، الذي يٌفترض أنه يمثله أو ينوب عنه، ذو طبيعة سياسية وأخلاقية بالدرجة الأولى، وهو أيضا تعاقد مادي يقوم على برنامج البرلماني الانتخابي، وتعاقد قانوني يجعله يخضع للفصل 723 من قانون “الالتزامات والعقود” المغربي الذي يُعرِّف إجارة الخدمة أو العمل بأنها عقد يلتزم أحد طرفيه بأن يقدم خدماته الشخصية للطرف الآخر، نظير أجر يلتزم هذا الأخير بدفعه له.
والمبدأ العام هو أن الأجير لا يستحق الأجر إلا عن العمل المنجز فعلا، وعن الخدمة المؤداة فعلا. وفي هذه الحالة فإن “البرلماني” (الأجير) بما أنه يتلقى أجرا مقابل إنابته عمن ينوب عنهم، أخل بجانب تعاقده، بما أنه لم يقدم الخدمة التي تعهد بها أمام المواطن، وبالتالي يكون قد أخل بالتزامه ولا يستحق أجره، ومن حق طالب الخدمة الذي هو المواطن أن يطالب بإيقاف التزامه بدفع الأجر للمدة التي توقف فيها مقدم الخدمة عن أدائها، خاصة وأن الأجر في هذه الحالة يٌدفع من خزينة الدولة ومن أموال دافعي الضرائب.
من ناحية المبدأ العام وفي جميع العلاقات التعاقدية وكيفما كانت طبيعتها نظامية أو تعاقدية أو حتى ذات طبيعة خاصة، فإن ما يبرر الأجر هو العمل المنجز، وهذا هو المبدأ الأساسي الذي استندت عليه الحكومة المنتهية ولايتها لتطبيق الاقتطاعات من أجور الموظفين المتغيبين عن عملهم، وقد عمدت إلى تنفيذ هذا المبدأ حتى في حالة الإضراب عن العمل، رغم أن هذا حق دستوري وكوني تنص عليه وتحميه جميع المواثيق الدولية ذات الصلة بالحق في العمل.
سياسيا وأخلاقيا يصعب على البرلمانيين المغاربة أن يبرروا أمام من يفترض فيهم أنهم يمثلونهم أو ينوبون عنهم تلقي أجورهم من أموال دافعي الضرائب بدون مقابل، بل وبدون حضور أو تمثيل أو إنابة! يحدث هذا في بلد تُعد فيه أجور البرلمانيين الأكبر في المنطقة (للمقارنة فقط البرلماني التونسي يتقاضى تعويضا شهريا رمزيا يعادل ألف يورو مقابل 3,734 يورو شهريا للبرلماني المغربي)، ويعد فيه عدد البرلمانيين الأكبر من حيث العدد حتى على المستوى العالمي (عدد أعضاء الغرفة الأولى في ديمقراطية كبيرة مثل الهند يعادل سكانها 1.2 مليار نسمة محدد بـ245 نائبا مقابل 395 نائبا في مجلس الغرفة الأولى للبرلمان المغربي، والذين يٌفترض أنهم يمثلون 33 مليون مغربي!).
وأخيرا يحدث هذا في بلد لا يتجاوز فيه الحد الأدنى للأجور، ونادرا ما يحترم، مائة وخمسين يورو، و15 بالمائة من سكانه يطالهم الفقر، ونصف هؤلاء يعيشون تحت عتبة الفقر المطلق، ونحُو ستِّين بالمائة منهم يقطنُون في الأرياف، فيمَا يوجد 25 بالمائة من المغاربة في دائرة المهددين بالفقر!