أين كانت “شجاعة” بنعبد الله أمام العفو على البيدوفيل الإسباني؟ وأمام مجزرة قمع المحتجين على هذا العفو حين تظاهروا يوم 2 غشت من سنة 2013 أمام البرلمان؟ وأمام قمع المحتجين على فاجعة منى، حين وقفوا أمام البرلمان؟ أين كانت شجاعة بنعبد الله أمام التجاوزات التي حدثت بعد أحداث 16 ماي باعتراف الملك نفسه، ألم يكن بنعبد الله هو لسان هذه التجاوزات وهو آنذاك الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية؟ ثم أين كانت شجاعة بنعبد الله أمام إغلاق الصحف المستقلة قبل فرض المنفى الاختياري على العديد من الصحافيين المستقلين؟ أين كانت شجاعته أمام اقتحام مقر ” الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” وأمام “ذبح” فصول دستورية خلال كسر جماجم رجال التعليم ومحاكمة قضاة الرأي؟ أين كانت شجاعته حين خرج المغاربة يوم 20 فبراير من سنة 2011، إلى شوارع المملكة لمواجهة التحكم والتسلط ولاسقاط الفساد والاستبداد؟
ثم كيف يكون “شُجاعا” من زكى أسلوبا مخزنيا ومُخزيا عند إفساد أنظمة التقاعد؟ ألم يدافع بنعبد الله بكل قواه لتمرير هذا الافساد المشؤوم لانظمة التقاعد؟ كيف يكون شجاعا من أوقف قياديا بحزبه، وهو عزيز الدريوش، فقط لإبدائه رأيا في عدد أعضاء اللجنة المركزية لحزب ” التقدم والاشتراكية” بعد أن تأكد أن عدد أعضائها أكبر من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، والافظع والأجبن أن هذا التوقيف جرى يوم فقدان الدريوش لقريب عزيز على قلبه، دون أن يكلف بنعبد الله نفسه تقديم العزاء كما تقضي الأصول والأعراف الإنسانية؟
بنعبد الله مجرد انتهازي، شعر بدنو نهايته السياسية بعد أن وضع “بيضه في سلة” واحدة، فلجأ لأسلوب التضليل لذر عطف الناخبين، وهنا أتفق مع بيان القصر في هذه الجزئية، فبنعبد الله وصولي طفيلي، همه الوحيد الأوحد هو كرسي الوزارة، إذ لو كان فعلا “شجاعا” لما زكى تجاوزات السلطات ضد الاسلاميين واليساريين والعديد من المواطنات والمواطنين عندما كان ناطقا باسم الحكومة ومدافعا بقوة عن التحكم وأب وجَد التحكم من سنة 2002 الى سنة 2007، خاصة التجاوزات التي حدثت ضد المعتقلين الإسلاميين! نعم لو كان بنعبدالله “شجاعا” فعلا لما صمت عن مساهمة السلطات المغربية في “قتل” العديد من المغاربة ولو بشكل غير مباشر في آسفي وآسا الزاك والقنيطرة..، ولا صمت المذكور عن اضرابات واعتصامات شعبية وعمالية بعضها فاقت مدتها سنتين كحال عمال منجم إميضير! ولا صمت اليوم على محاولة عزله عن حزبه من طرف المؤسسة الملكية، بطريقة ماسة بكل الاعراف والتقاليد الديمقراطية، خاصة حين يقول بيان القصر: “وهذه القضية لا تخصّ إلاّ صاحب التصريحات، وليست لها أي علاقة بحزب التقدّم والاشتراكيّة المشهود له بدوره النضاليّ والتاريخيّ، وبمساهمته البناءة في المسار السياسي والمؤسسي الوطنيّ” وكأن القصر أجرى استفتاء وسط الحزب ليعرف موقف قادته وقواعده من هذه القضية، وكأن بنعبد الله لم ينتخبه مؤتمر وطني!
النظام السياسي المغربي بنى عرشه واستقراره على “هيبة” المؤسسة الملكية، وحين يؤكد بيان البلاط الملكيّ على “أن مستشاري الملك لا يتصرفون إلاّ في إطار مهامهم، وبتعليمات سامية محددة وصريحة من الملك محمّد السادس” فليس ذلك دفاعا عن الهمة كما توهم البعض بل دفاعا عن مؤسسة شعرت أن هيبتها “تتلاشى” يوما بعد يوم بفعل عوامل عدة، فوجدت في هذه التصريحات أداة (بنعبد الله) من أدواتها فرصة لتحقيق عدد من الأهداف منها؛
أولا، التذكير بهيبة المؤسسة الملكية وأن أي تطاول على أي مستشار ملكي هو تطاول على مؤسسة بكاملها خاصة وأن المستشارين كما يقول البيان لا يتصرفون من تلقاء أنفسهم بل استجابة لتعليمات ملكية.
ثانيا، هي إشارة لبنكيران أن القصر غير راض على شعار “مواجهة التحكم” الذي قرر “البجيدي” أن يأطر به حملته الانتخابية!
ثالثا، وهذه أقسى وأخطر، رسالة لبنكيران، وكأن الملك يقول له أنت دون مستوى حتى شخص مثل نبيل بنعبد الله عندي على علاته وانحطاطه، لهذا لا تستحق بيان مني كما استحقه بنعبد الله، فمهما واصلت حديثك عن “التحكم” فلن التفت إليك ولن تحظى بشرف بيان ضدك من طرف أول مؤسسة دستورية في البلاد، لأنك لا شيء بالنسبة إلي.
رابعا، بيان القصر وكأنه يسعى لخلق اصطفافات جديدة، عبر تذكير قادة وقواعد التقدم والاشتراكية بأن مكانكم الطبيعي في الحكومة المقبلة مع “البام” و”الاتحاد الإشتراكي”، شريطة أن تفكوا علاقتكم ببنعبد الله الذي ورطكم في تحالف لا علاقة له بتاريخ حزبكم النضالي.
خامسا، وربما هذا هو السبب الحقيقي وراء انزعاج الملك من بنعبد الله، بكون الملك وجد في تداول عبارة “التحكم”، اساءة بليغة له لأنه المعني الأول والأخير بترديدها، خاصة وأنه يستحيل أن يتحكم شخص في أي مؤسسة أو في أي رقعة جغرافية في البلاد، دون علم وتفويض ودعم من الملك، وبالتالي فحين يتحدث مسؤول حكومي عن “التحكم” في دولة دستورها واضح في فصله الثاني والأربعين بكون الملك هو رئيس الدولة، وعندما يستعمل بنعبد الله هذه العبارة بعد أن حرص الملك في العديد من الخطب على محاولة تذكير المغاربة بأنه فوق الصراعات الحزبية وأنه حكم فوق الجميع، وبأن حزبه هو المغرب، فكأن بنعبد الله بحديثه عن ” التحكم” يقول للملك ” أمممممممم بشحال الحولي”، نسبة إلى النكتة المغربية الشهيرة التي تفيد أن فتاة نصحت اباها، وهو متوجه إلى السوق لبيع خروف، بالحذر من اللصوص في السوق لكثرتهم، داعية إياه إلى أن يجيب كل سائل عن ثمن الخروف، بالقول: “أمممممم بشحال الحولي”، مع إدارة رأسه دورات خفيفة، وهكذا ظل الأب يدير برأسه ويقول “أمممممم بشحال الحولي” إلى أن فرغ السوق من الناس وعاد بالخروف إلى المنزل.