الإعلامية الدكتورة فوزية الجوهري و قضايا عرب المهجر في أوربا والإعلام إعداد الدكتور جواد الرباع باحث في العلوم السياسية
أستاذ زائر بجامعة القاضي عياض- مراكش.
صدر حديثا عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر والاتصال، كتاب “عرب المهجر في أوروبا والإعلام”، للدكتور فوزية الجوهري، الأستاذة الباحثة والمتخصصة في قضايا الإعلام، والمقيمة حاليا في ألمانيا.
يقع الكتاب في 179 صفحة من القطع الكبير، ويتألف بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة وقائمة مهمة من المصادر والمراجع من خمسة فصول؛ وسائل الإعلام مفردات ومفاهيم، وسائل الإعلام وتطورها، الإعلام عند عرب المهجر في أوروبا، الإعلام عند عرب المهجر في ألمانيا، والدراسة الميدانية.
يعتبر موضوع الإعلام على ما يبدو شاسع وعريض[1]، لايحتوي على محور واحد، ولا على إشكالية واحدة، بل تتجاذبه محاور وإشكاليات متعددة ومختلفة، ومن هنا فمسألة تناول موضوع الإعلام لايمكن أن تخلو من هفوات وصعوبات، فضلا عن تعدد محاوره واختلاف إشكالاته تنطلق من تنوع سماته ومفاهيمه.
ولقد أصبح الإعلام اليوم القلب النابض لكل تحرك فعال[2]، ومحور كل قضية من القضايا المجتمعية، بل أصبح سلاحا خطيرا في يد الدول المهيمنة لترويج أطروحاتها وأفكارها، حتى أن بعض الأمم والأقطار جعلته في مقدمة اهتماماتها، ورصدت له من الإمكانيات المادية والبشرية ما يعادل ميزانية الدفاع وربما أكثر.
ولقد أضحى موضوع الإعلام في السنوات الأخيرة يشكل رافدا أساسيا يساهم في بلورة تصورات تعمل على تعميق التنمية المحلية والجهوية وكذا المساهمة في بناء مجتمع ديمقراطي منفتح على معظم التعبيرات والحساسيات الأخرى، وذلك على اعتبار أن الإعلام قاطرة مهمة في أي تحول وانتقال مجتمعي ديمقراطي.
يمكن اعتبار بحث الدكتورة “فوزية الجوهري” إضافة مهمة في الخزانة العلمية، حيث عالجت الباحثة موضوع الأطروحة بمقاربات متنوعة، فيمكن الوقوف على مضامين الكتاب من خلال أربعة محاور رئيسة:
المحور الأول: أهمية الكتاب المعرفية؛
المحور الثاني: ميزة البحث ومقاربته المنهجية؛
المحور الثالث: قضايا البحث وتساؤلاته؛
المحور الرابع : طبيعة الكتاب والباحثة؛
المحور الأول: أهمية الكتاب المعرفية؛
يمكن أن نجمل أهمية البحث في ثلاثة نقط جوهرية:
أولا، الأهمية الآنية؛
تتجلى أهمية موضوع الإعلام والتجارب الإعلامية العربية في بلاد المهجر (سواء على مستوى النقاش العمومي المحلي والدولي) في تجدده باستمرار فلا يكاد يخلو خطاب الفاعلين في بلاد المهجر من الحديث عن الإعلام ودوره في التنشئة السياسية والاجتماعية، كما يثير العديد من النقاشات خصوصا في ظل ما يعرف بالسلطة الرابعة كسلطة أمر واقع ترتبط بحركة الجماهير،حيث استرعى هذا الموضوع، اهتمام الفاعلين السوسيوسياسيين بمختلف حساسياتهم السياسية وانتماءاتهم الإيديولوجية، والمثقفين بمختلف مشاربهم الفكرية وصناع القرار .
ثانيا، الأهمية المعرفية والأكاديمية؛
يمكن النظر لأهمية الموضوع بأنه يندرج في إطار دور البحث العلمي في ترسيخ مجتمع المعرفة، بتسخير وجعل البحث العلمي في خدمة القضايا المجتمعية المرتبطة أساسا بخدمة القضايا المجتمعية لعرب المهجر، وكنقطة تقاطع العديد من أصناف العلوم المتخصصة والمناهج العلمية، وذلك لغنى وتنوع المجال المدروس “دراسة ميدانية ومقارنة”.
ثالثا: الأهمية التوثيقية؛
وتظهر الأهمية التوثيقية للموضوع في توثيق العديد من المحطات البارزة في مسار التجارب الإعلامية المتنوعة التي أسسها العرب المقيمون في مختلف دول أوربا، من منطلق ذلك عمدت الباحثة ” فوزية الجوهري” إلى الاهتمام بتوثيق أبرز المحطات والتجارب الإعلامية العربية، والوقوف على أبرز التجارب الإعلامية، خطابا وتنظيما، كل بحسب مواقفه من القضايا الاجتماعية والسياسية التي يعرفها عرب أوربا في المهجر.
المحور الثاني: ميزة البحث ومقاربته المنهجية؛
أما بخصوص ميزة البحث والباحثة فيمكن إجمالها:
أولا،استحضار البعد الامبريقي[3] للدراسة بالتركيز على حالات مدروسة، وتعني دراسة الحالة، “التحليل المتعمق لمجتمع واحد، وتستهدف هذه الدراسة الكشف عن العلاقات المتبادلة بين مكونات التنظيمات ودورها أو على الطرق التي تنظم بها المواقف الاجتماعية أو الأدوار والتوقعات أو تداخل النظم الاجتماعية وتشابكها. أو هي قد تحاول الإجابة عن أسئلة عديدة ومتنوعة، وعادة ما يتجه التحليل – على مستوى دراسة الحالة – إلى الكشف عن جوانب التكامل في المجتمع وجوانب التوتر والصراع”..
ثانيا، توظيف المنهج المقارن[4] في البحث، ما يزيد عن 11 دولة من معظم دول أوربا الغربية شملتها الدراسة.
وبشكل عام يمكن القول أنه تشمل طريقة المقارنة على إجراء مقارنة بين ظاهرتين اجتماعيتين أو اقتصاديتين أو طبيعيتين … بقصد الوصول إلى حكم معين يتعلق بوضع الظاهرة في المجتمع و الحكم هنا مرتبط باستخدام عناصر التشابه أو التباين بين الظاهرتين المدروستين أو بين مراحل تطور ظاهرة ما .
وبالتالي فالمقارنة نوع من البحث يهدف إلى تحديد أوجه التشابه والاختلاف بين ظاهرتين أو أكثر أو بالنسبة لظاهرة واحدة ولكن ضمن فترات زمنية مختلفة.
ثالثا، تناول جميع أشكال التواصل الإعلامي، القنوات التلفزية، والإذاعات والجرائد والمجالات الورقية والالكترونية والوكالات الإعلامية..
لقد جاء كتاب عرب المهجر في أوربا والاعلام لمؤلفته الدكتورة “فوزية الجوهري “الأستاذة الباحثة والمتخصصة في قضايا الإعلام،ليناقش أبرز التجارب الإعلامية العربية في معظم دول أوربا الغربية، وللإجابة على كثير من الأسئلة التي تهم الرسالة الإعلامية وصورة العرب في المنابر الإعلامية الغربية، والهدف من الكتاب دور وسائل الإعلام الحديثة ودورها في توجيه وخدمة العرب المقيمين في بلاد المهجر، ومدى تأثيرها في المحيط الثقافي والسياسي، كما تسعى أيضا إلى التعريف بالثقافة العربية حيث توقفت الدراسة أيضا عن جميع أشكال التهميش السياسي والاجتماعي الذي يعاني منه العرب وإشكالات الاندماج والتعايش في مقابل اشكالية الانسلاخ عن الهوية الثقافية والحفاظ على الهوية والمرجعية الإسلامية.
المحور الثالث: قضايا البحث وتساؤلاته؛
يتمحور البحث حول مجموعة من القضايا التي تهم الإعلام لاعتباره من المواضيع الحديثة في عصرنا الراهن، ويبرز دور الإعلام، كوسيلة يزداد دورها وأثرها يوما بعد يوم في إطار السياسة الدولية عامة، والوطنية خاصة. ويشكل معبرا للتواصل والحوار، أو حتى لإشاعة التوتر بين القوى الأساسية في المجتمع، وفي ظل ذلك لم تعد المنظومة السياسية بكل عناصرها وتجاذباتها، قادرة على الاستغناء عن دور الإعلام في إدامة الصلة بين مختلف مستويات العمل السياسي.
لقد أضحت العلاقة بين الإعلام والسياسة، أحد الإشكالات الهامة والمعقدة، والتي باتت في قلب نقاش واسع وحاد في بعض أوجهه. لا تجد تفسيرها وتبريرها في تشابك استراتيجية عمل طرفي هذه العلاقة )الإعلامي والسياسي( ولكن أيضا وبالأساس في ظل الإمكانيات الضخمة التي باتت توفرها تكنولوجيا الإعلام والاتصال الجديدة من فرص انتشار بديلة للسياسي.
وهناك علاقة قوية بين الإعلام والتنمية بل يشكل محركها الأساسي والرئيسي والإعلام لوحده لايمكن أن ينهض بالتنمية الجهوية ومن هنا تأتي ضرورة الربط بين السياسة الإعلامية الجهوية خاصة وبين السياسات العمومية المحلية الأخرى المطبقة في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتعليمي[5].
تقول الباحثة “فوزية الجوهري” أمام هذا الواقع المعاش أصبحت هناك حاجة ملحة لعرب المهجر في أوربا من خلق وسائل مختلفة ومنها وسائل الإعلام للتعبير عن أنفسهم وعن أرائهم سواء ما يتعلق بوضعهم كمواطنين أو ما يتعلق بالقوانين بوجودهم ككل، لأن الإعلام هو لسان الشعب .
تضيف الباحثة أن البحث يكتسي أهميته خصوصا في دور وسائل الإعلام في إيصال صوتهم للبلد المستضيف من جهة ومن جهة أخرى في تقديم الدعم السياسي والاجتماعي والثقافي للمهاجرين، كما يتعرض البحث لأحدى المواضيع الإعلامية الجديدة والتي لم يهتم بها الكثير من الإعلاميين ولم تعط حقها في الدراسات الصحفية والإعلامية..خصوصا فكرة وسائل إعلام عرب المهجر في أوربا وأنواعها ودورها الملح (الكتاب ص 15).
المحور الرابع : طبيعة الكتاب والباحثة :
والكتاب كان في الأصل موضوعا لأطروحة دكتوراه أنجزتها الباحثة بهولندا سنة 2014، تحت إشراف الأستاذ الدكتور “نزال القدوري” وتعرضت فيه الباحثة بالوصف والإحصاء والتحليل والبحث الميداني لمختلف التجارب الإعلامية التي أسسها أو أطلقها العرب المقيمون في مختلف دول أوروبا، وخصوصا بكل من ألمانيا وهولندا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وسويسرا والسويد والدانمارك وبريطانيا وبلجيكا والنمسا.
وعن طبيعة هذا الكتاب والباحثة ” فوزية الجوهري” يقول الدكتور “نزال القدوري” عن الكتاب “لقد تميز هذا الكتاب بحصر وسائل إعلام عرب المهجر في معظم دول أوروبا الغربية، وهذا الأمر ذو قيمة كبيرة في حد ذاته، لأن العديد من الباحثين لم يهتموا بوضع الإعلام العربي في أوروبا، وإن كان هناك من اهتم بالموضوع، فقد اقتصر فقط على دراسة حالة الإعلام في دولة واحدة.
ميزة الباحثة التي راكمت تجربة مهمة وميدانية قبل هذه الدراسة التي اعتبرت في نظر الدكتور نزار القدوري عصارة تجربة مهمة حري بالباحثين والاكادميين الاهتمام بها.
وليس من السهل والهين على كل باحث أو باحثة خوض غمار البحوث الميدانية إلا من ملكه الله تعالى ملكات التحكم الفكرية والعلمية؛ بل موهبة التواصل الفني مع جمهور البحث؛مما يساعد الدارس على بلوغ هدفه بشكل سليم ومؤثر وتأثيرا ايجابيا على محطيه.
[1] _ لحبيب عيديد: “الإعلام والتنمية والعولمة” مداخلة باليوم الدراسي الذي نظمه مجلس جهة مراكش تانسيفت الحوز 13 ماي 2000 منشورات المجلس ص 89.
[2] _ محمد بن الحبيب بن المهدي : “الإعلام الجهوي والعولمة” مداخلة باليوم الدراسي نفس المرجع السابق ص 77 .
[3] – يقصد بالنموذج الإمبريقي، كل مثال يقدم على أساس التجريب على أرض الواقع لتحديد مدى قابلية النموذج للتماثل مع الحقائق من حيث النتائج التي يتم التوصل إليها. في نفس السياق، تُعد طرق “طرح الأسئلة التي ترمي إلى الحصول على المعلومات قد تتخذ في كثير من الأحيان طابعا “إمبريقيا”، يستهدف التعرف على الطريقة التي تحدث بها التغيرات والظواهر بأساليب ومنهجيات ميدانية تجريبية على أرض الواقع”. أنظر: أنتوني غدنز، “علم الاجتماع”، علم الاجتماع”، ترجمة وتقديم فايز الصياغ، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط 1، أكتوبر 2005). ، ص 668. أنظر في هذا السياق : أطروحتنا؛ جواد الرباع : الجهوية ورهانات التنمية بالمغرب، دراسة حالة جهة مراكش، أطروحة لنيل شهادة الدكتواره في القانون العام لموسم 2015-2016 جامعة القاضي عياض –كلية الحقوق-مراكش.ص 25.
[4] – على الرغم من أن المنهج المقارن هو منهج مستقل بحد ذاته ولكن معظم الدراسات المقارنة لا يمكن أن تتم دون الاعتماد على مناهج أخرى مساندة مثل المنهج التحليلي حتى أن الكثير من الباحثين يقيمون دراساتهم على منهج يطلق عليه المنهج التحليل المقارن دلالة على اعتماد المقارنة على بيانات تحليلية ويمكن أن يعتمد على المنهج التاريخي للمقارنة أو المنهج التجريبي أن البعض ذهب إلى أن المنهج المقارن “هو منهج شبه تجريبي يختبر كل من العناصر الثابتة والعناصر المتغيرة لظاهرة ما في أكثر من مجتمع أو أكثر من زمان”
[5] – جواد الرباع : الإعلام الجهوي ودوره في التنمية والديمقراطية المحلية، منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية مراكش، اعمال الندوة الدولية ” أي دور للصحافة في التأثير على أجندة السياسات العامة؟ العدد 37 -2011 ص، 341.