ظن الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه ميّز نفسه عندما اختار تجاهل الأزمة السورية منذ بدايتها٬ راغباً في تجنب الأخطاء السابقة في العراق٬ لكن كثيرين صاروا يجاهرون ضد «الحياد السلبي»٬ وأنه بات من الضروري إعادة النظر فيه. واحد وخمسون دبلوماسياً من وزارة الخارجية وقعوا رسالة يطالبون حكومتهم بالتدخل العسكري في الحرب بقصف النظام السوري٬ لوقف الجرائم التي يرتكبها يومياً.
الرسالة تعكس التجمع المتزايد من الموالين للتدخل٬ وُتشِعر بحجم بالخطأ في التعامل مع مأساة مروعة لا مثيل لها.
كان السيناتور جون ماكين شبه وحيد في البداية٬ في مطالبته بمواجهة جرائم نظام الأسد٬ وكان يحذر من أن تجاهل الأزمة سيخلق أزمة أكبر منها٬ وأن خطر تنظيم داعش سيتجاوز حدود سوريا. اليوم يشاركهم الرأي عدد كبير من عسكريين٬ وسياسيين٬ وحقوقيين٬ ومفكرين ودبلوماسيين. ورغم كثرة الأزمات والمآسي في أنحاء العالم٬ فإن ما جرى ويجري في سوريا خارج المعقول حتى بمقاييس الجرائم الجماعية التي تصاحب الحروب. نحو نصف مليون سوري قُتلوا في الاقتتال٬ معظمهم مدنيون٬ وأكثر من عشرة ملايين آخرين هجروا من مناطقهم٬ ثلثهم لاجئون في الخارج.
الحياد السلبي لم يقتصر فقط على رفض ردع النظام السوري عسكريا منذ بداية عمليات القتل والتهجير٬ بل شمل أيضاً منع حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة من دعم المعارضة بأسلحة نوعية ذات المنشأ الأميركي. منذ بداية النزاع لم يطلب أحد من واشنطن أن ترسل قوات٬ ولا أن تشارك في القصف٬ ولا تقديم السلاح٬ كان المطلوب ألا تضع قيوداً تعترض عمليات تسليح المعارضة. تسليح المعارضة كان سيمنح المناطق المستهدفة فرصة الدفاع عن نفسها٬ ضد عمليات التدمير المتكررة المسؤولة مباشرة عن قتل عشرات الآلاف من المدنيين. بسبب غياب التسليح النوعي صار القتل والتشريد عملاً سهلاً تم ضمن مشروع ممنهج يقوم بتطهير مناطق واسعة من سكانها. الإيرانيون والروس٬ في المقابل٬ ملأوا الفراغ٬ وشكلوا تكتلا عسكريا جديد من نوعه٬ انضمت إليه ميليشيات طائفية جلبت من أنحاء المنطقة.
في مثل هذه المناخ القاتم طبيعي أن تتحول سوريا إلى أسوأ وأخطر مكان في العالم٬ وينتشر فيها الإرهاب الذي ينتقل ويهدد المنطقة وأوروبا والعالم.
والأضرار التي جلبتها المأساة السورية أعظم من أن تحصى٬ وما انتشار «داعش» وفكره إلا جزء منها. فالدمار الذي أصاب البلاد٬ وخرب التركيبة الديموغرافية سيجعل من الصعب تأمين أي سلام٬ مهما اتفقت الأطراف الدولية على مبادئه. كما أن السكوت على إيران بأن تتحول إلى قوة عسكرية إقليمية تقاتل خارج حدودها تطور خطير. بدأ في سوريا والآن في العراق.
الفوضى التي نراها اليوم نجمت عن سياسة الحياد والغياب٬ لهذا كتب موظفو الدبلوماسية الأميركية٬ في حالة شبه نادرة٬ يطالبون بالتدخل، مدركين حجم الأضرار الذي فاق كل الحسابات.
ويترافق هذا الموقف مع تنامي عدد من المفكرين والأكاديميين في قائمة طويلة٬ ترفض الحياد السلبي حيال سوريا. هل هو موقف جيد؟ نعم. مؤثر؟ لا٬ خصوصاً أن الوقت ليس حليفاً لهم٬ فالولايات المتحدة ستنشغل لفترة طويلة بنفسها٬ في الانخراط الانتخابي٬ تليها أشهر بطيئة من تنصيب الرئيس المنتخب٬ ثم تشكيله إدارته وسلسلة من النشاطات التي ستلهي العهد الجديد.
عام هو زمن طويل في انتظار أن تغير الولايات المتحدة سياستها٬ مما يتطلب من دول المنطقة عدم التعويل عليه في وقف المأساة. التأييد المتزايد٬ رأي نخبوي٬ وموقف أدبي قد يسهل على الدول الإقليمية٬ إن رغبت٬ زيادة دعمها للمعارضة السورية٬ وبالتالي دفع المفاوضات نحو الحل السلمي المعقول.
* نقلا عن “الشرق الأوسط”