دليلة سني سليطين:
الحياة ليست دائما جنة تعيشها بملذاتها ورفاهيتها، دون عذاب أو قهر أو ألم.. فهناك من ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، يجد بين يديه كل ما يشتهي ويتمنى.. كما أن هناك من ولد ليتحدى الفقر، ليعيش مع البؤس، ويحارب ليستطيع فقط.. أن يبقى على الحياة..
الغنى ليس بمصدر فخر، ولا سبب سعادة، ولا بمظهر قوة ونجاح.. من ولد وقد وجد كل ما يحتاجه متوفرا، من لم يتعذب ويسهر ويتعب كي يحصل على لقمة عيش يسد بها رمق ليلة، من أمضى حياته في الضحك والترفيه والأسفار والبذخ دون أن يقوم بأدنى جهد.. لم يعرف ولن يعرف للحياة معنى أبدا..
القوي، الشجاع والصبور، هو من خرج من بطن أمه فقيرا إلا من حبله السري، من لا يأكل إلا حينما يخرج هو للبحث عن طعام يسكت به صرخات بطنه الجائع، من اضطر للتخلي عن مقاعد الدراسة كي يخرج للعمل منذ صغره، من لم يعش طفولة سوية، ولا مراهقة سوية، بل تعلم كيف يتحمل المسؤولية داخل جسد صغير..
من يعرف المعنى الحقيقي للحياة، هو من ولد وسط القهر، وتربى بين ردهات الظلم، وعاش وسط قسوة المجتمع، هو من لم يجد حضنا دافئا يؤويه، ولا يدا حنونة تمسح دموعه، ولا ابتسامة صادقة تشع فيه شيئا من الأمل، ولا منزلا يستره في نار الصيف وبرد الشتاء، فيفترش بذلك الشوارع والأزقة.. التي عادت ملاذه الوحيد..
الرجل الحقيقي.. ليس هو من وصل أعلى المراتب دون أن يتعب على ذلك، ليس من يتباهى بأمواله الطائشة ويصرفها في الشهوات والملذات الزائلة، الرجل الحقيقي هو ذاك الفقير، الذي لم يرَ من وطنه ومجتمعه سوى الظلم والقسوة والعنف، ومع ذلك فقد استطاع أن يكون نفسه بنفسه، ربى نفسه بنفسه، وتحلى بأرقى الأخلاق وأسماها، دون أن يحتاج أن يدرس في أرقى الجامعات وأن يدرس في أغلى المدارس..
الرجل الحقيقي.. هو من عرف كيف يجعل فقره تربية وعزيمة كي يمضي قدما، هو من لم يفقد إيمانه بالله تعالى وتحدى جميع الصعاب كي يصير رجلا، من تعلم كيف يتحمل مسؤوليته ومسؤولية من حوله دون تذمر.. ومن لم يجد سوى جحود ونكور مجتمع فاسد كجزاء على صبره..
الرجولة لا تصنع بالأموال ولا بالمناصب، الرجولة تظهر في أوقات الشدة والصعاب، وفي قوة التحمل التي لا يستطيع أن يمتلكها الكل.. الرجولة تولد من رحم المعاناة.. وليس من ذهب الفحش والثراء..
الرجولة كلمة.. لا يعلمها لك رصيدك في البنك، ولا شهاداتك العليا على الحائط، بل تعلمها لك الحياة.. بأشد متاعبها..