عبد اللطيف الحموشي..هذا هو
لم يعد عبد اللطيف الحموشي الذي درس الحقوق بفاس قبل عقود هو نفسه الذي يعلو اسمه في فضاءات الاستخبارات الأوربية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
تغير الكثير، ولم يتغير الأهم، الدقة والاشتغال في صمت، هي بعض الصفات التي حملها معه عبد اللطيف الحموشي من مدرجات كلية الحقوق بجامعة ظهر المهراز، وما أدراك ما كلية حقوق بفاس في عقد التسعينيات من القرن الماضي.
كل شيء كان يشد الانتباه إلى جامعة فاس، حرارة النقاش الفكري والسياسي والإيديولوجي، بين فصائل اليساريين عموما والقاعديين خصوصا، وإخوة عبد السلام ياسين، مرشد جماعة العدل والإحسان، تحت مراقبة مريبة لأكثر من جهاز أمني، وخاصة الداخلية والمخابرات التي كانت خيوطها بيد رجل الشاوية إدريس البصري، وزير داخلية الحسن الثاني، ولذلك وجد عبد اللطيف الحموشي الكثير من الشروط جاهزة.
تابع عبد اللطيف، الشاب الهادئ، الجدال الساخن الذي كانت تحبل به حلقات النقاش الطلابية، كما عاين عن قرب قوة وضعف كل فصيل طلابي، سواء اليسار الذي انتعش في فترات الثمانينيات، أو الإخوان الذين وضعوا القدم الأولى في جامعات المغرب مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي دائما، فهل هنا تمرس عبد اللطيف الحموشي على تحليل الخطاب وميكانيزمات الإقناع، حتى أصبح خبيرا بالجماعات الإسلامية والمتطرفة منها بعد أن وصل إلى رأس المخابرات المدنية؟
من دراسة الحقوق بفاس، إلى دراسة الأمن بالقنيطرة، قبل أ يتخرج عميدا للأمن سنة 1993، المكتب والفضاء الذي وضع به خبرته في متابعة الحركات الإسلامية في المغرب، وهو هنا يختلف في مساره الدراسي ومشواره التعليمي عن عزيز الجعايدي، الذي اختار الجيولوجيا والبيولوجيا، علما أن الجعايدي برع في الرياضات الحربية مثل الكراطي، فيما اختار الحموشي دراسة « حروب المعلومة الاستباقية ».
في كل المناصب والشعب التي تمرس بها عبد اللطيف الحموشي، كان يحظى باحترام وتقدير مسؤوليه، وهذا بالضبط ما جعله في أكثر من تقرير إعلامي بمثابة الرجل الثاني في المخابرات المدنية، حينما كان أحمد حراري الرجل الأول رسميا.
كان حراري المدير العام للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وكان الجينرال حميدو لعنيكري المدير العام للأمن الوطني، لكن عبد اللطيف الحموشي الذي لم يكن منشغلا بالمنصب حينها، وصفته تقارير مختلفة بكاتم أسرار حراري الذي وضعه العنيكري على رأس «الديستي»، خاصة وقد برز دوره في تتبع الجماعات الإسلامية المتطرفة، ومن ذلك متابعته للذين شاركوا في المسيرة التي نظمت بمناسبة مشروع الخطة الوطنية للمرأة في التنمية البشرية، حينما وقعت عيناه بخبرته على العناصر الراديكالية التي سبق أن سافرت إلى أفغانستان، والتي نزلت بثقلها في مسيرة شارع محمد السادس بالبيضاء، مطالبة بإلغاء المشروع!
حسه، تجربته، تكوينه في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، رغبته في التميز والترقي، وأشياء أخرى، جعلته محط أنظار مسؤوليه، ولذلك كان من بين الأوائل الذين دقوا ناقوس خطر السلفية الجهادية، قبل أن تتبلور في مجموعات انتعشت في أحزمة المدن الكبرى، ومنها المجموعات التي هزت مدينة الدار البيضاء في السادس عشر من شهر ماي 2003، علما أن الأجهزة حينها لم تستطع أن تستبق الكارثة، وتوقف زملاء « عبد الحق مول الصباط » قبل أن يقلبوا هدوء البيضاء ومعه المغرب إلى فاجعة غير مسبوقة.
مضت 2003، وانتقل أحمد حراري من على رأس « الديستي » بالبيضاء إلى مقر الإدارة العامة « للديستي » بتمارة، بعد أن تأكدت للعقل الأمني صحة التقارير التي كانت تذيل بإمضاء حراري، قبل أن يغادر المكتب الفاره بعد أن طار الجنرال حميدو لعنيكري بدوره من مكانه، من الإدارة العامة للأمن الوطني، وفهم المعنيون بالإدارات الأمنية أن المملكة مقبلة على تعيينات استراتيجية يكون للشباب دور أساسي فيها، حيث تعرف المغابة، ولأول مرة بالصوت والصورة، على عبد اللطيف الحموشي، الجلسة المحتشمة، واليد تضغط على الأخرى، بالإنصات إياه، والانحناءة المعبرة، خاصة والمتحدث عاهل البلاد الملك محمد السادس، في استقبال لن ينساه الحموشي نهائيا.
دخل الحموشي مقر تمارة بصفة جديدة، الرجل رقم 1 في المخابرات المدنية رسميا، ومايزال الرجل الأول في الجهاز، ومع توالي السنين، أضاف الحموشي نياشين أخرى، مديرا للأمن الوطني، في زمن تصاعد أخطار الإرهاب والإرهابيين، والعقل الأمني الاستراتيجي الذي جنب البلاد عشرات المخططات الإرهابية، وصاحب استحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية، على غرار النموذج الأمريكي.
هل سبق لمسؤول أمني أن قضى أزيد من عقد على رأس “الديستي”؟ وهل سبق لمسؤول أمني أن جمع بين قيادة المخابرات المدنية والأمن الوطني؟
وحدها مثل هذه الأسئلة تؤكد أن المملكة عثرت على النموذج الخاص بالمرحلة.