وإِذا لم يكنْ هنالكَ نقدٌ . . . . عمَّ سوءُ الأخلاقِ أهلَ البلادِ” (أبو العلاء المعري)
رب قائل أن لا شيء أجل وأقدر من الاحترام، لأنه صفة فطرية تولد مع الإنسان، وتعطيه أملا جديدا في حب الحياة على الأرض بما تحمل من خير، و يمنحه قوة على الأقل يدفع بها ما يوجد من شر، فهذا الأخير ليس إرثا يورث ولا علما يدرس، وإنما صنعه الإنسان لنفسه، وأوجده ظنا أنه الأقوى، إن أطعم ذئب الخير غلب، وإن أطعم ذئب الشر غلب، فله الاختيار في أي الذئبين أجل بالطعام والشراب، إن أظمأ وجوع ذئب الشر، كان ذئب الخير أشد صلابة، وكان صاحبه أشد منه احتراما وتوقيرا،،،
إن نعمة الاختيار حرية كونية لا تشترط بشروط، ولا تقيد بآجال، فلماذا لا تختار الأمر السهل في احترام من حولك ولا ترى من نفسك سوى ما يفرحهم ويجعلهم في غبطة مستمرة وحبور دائم؟
إن احترمك الناس بادلهم نفس الإحساس، فلست مجبر على حبهم، ولكنك مرغم على احترامهم، وانسى وسامح من أجل أن تعيش، يقول محمود درويش:” النسيان هو تدريب الخيال على احترام الواقع”، وكن من شئت، لكن تمنى النقد المستمر ففيه مرآة لخبايا لا يعلهما إلا من حولك، يقول مصطفى لطفي المنفلوطي:” ليس المتواضع متواضع حتى يكون رأيه في نفسه أكثر من رأي الناس فيه…”
“قد يحوزُ الإِنسانُ علماً وفَهْماً . . . . وهو في الوقتِ ذو نِفاقٍ مرائي….ربَّ أخلاقٍ صانَها من فسادٍ . . . . خوفُ أصحابِها من النقادِ
وإِذا لم يكنْ هنالكَ نقدٌ . . . . عمَّ سوءُ الأخلاقِ أهلَ البلادِ” (أبو العلاء المعري)،
أجل إن النقد ( ليس الانتقاد) يغير مسير المجتمعات في أفكارها وأحوالها، إذا كان مؤسس على مبادئ كونية، ومصالح اجتماعية، وأسس بنوية، دونما فئوية، أو دونية، لكنها مقرونة باحترام يسبق العواطف حد مسافة مابين السماء والأرض أو يزيد.
فليس كل ما ينتقد يكره، أو كل ما ينتقد يحب، أو كل ما ينتقد يريد الاستمرارية في حسن الأداء، أو الزيادة فيما هو عليه، لكنني أومن أن الذهب رغم بريقه فإنه يتعرض للنقد لشدة بريقه، فهل تريد النجاح بلا نقد ولا انتقاد؟ إن أردت هذا فما عليك إلا العيش في جمهورية أفلاطون المثالية، التي لا توجد في الواقع، لكنها موجودة في كتاب فيلسوف أراد للحياة المسير بلا ضوضاء.
تريد النقد لأنه:” وصف للتّصرّفات السّلبيّة و الإيجابيّة بطريقة ودودة ترمي إلى التّصحيح و التّصويب في حال وجود الخطأ و إلى الاستمراريّة في حال وجود نجاحات…”
وتكره الانتقاد لأنه “: تصيّد مقصود للأخطاء هدفه إظهار السّلبيّات…”
لكن في نظري فحتى الأخير له ما يميزه، لأن شهادة النجاح يمنحها لك الناقد الصادق، والمنتقد الكذاب، الأول بصدقه يحترمك، والثاني بكذبه يكرهك، وما محاولات تصيد سلبياتك إلا ضعف فيه، وقوة فيك، لأنك ببساطة تشكل له عقد، ويجعل منك مواضيعه اليومية، لو كنت مكانك لارتاحت نفسي لأنني موضوع الفاشلين الذين يصطادون في الماء العكر، فما رأيت سبعا تطاول على فريسته غيره، وما رأيته لعق من قدح لعقت منه الكلاب…
إذن من ينتقد من؟؟؟ ومن هو أحق بالنقد؟؟؟
حسب موقع ويبيكيديا فإن :”النقد البناء هو عملية تقديم آراء صحيحة ووجيهة حول عمل الآخرين، والتي تنطوي عادة على تعليقات إيجابية وسلبية ولكن بطريقة ودية وليس بطريقة فيها عناد، وفي الأعمال التعاونية، غالبًا ما يكون هذا النوع من النقد أداة قيمة للارتقاء بمعايير الأداء والمحافظة عليها…”
إذن فالنقد ليس أداة للظهور بمظهر البطل، أو العالم المصلح، أو السياسي المحنك، أو المثقف الرزين… بل هو وسيلة للوصول إلى غايات مفادها تطوير البلاد، وتجويد أفكار العباد.
يقول الباحث مبارك عامر يقنه :”الناقد الصادق لا يتعسف في عباراته ويغلظ في أقواله، بل ينتقي أعذب الألفاظ وأحسنها، فلكي يكون نقدك بناء لابد أن يكون هناك درجة من التواضع والاحترام للآخرين، واحتمال أن يكون الصواب مع الآخرين والخطأ معك، فأنت لا يمكن أن تملك الحقيقة المطلقة دائماً، فإن كان لديك الحق في بعض القضايا لا يعني ذلك امتلاكك للحقيقة المطلقة، والحق لن يقبل إذا كان مصحوباً بتعالي وازدراء للآخرين…”.
وإذا كان هذا النقد سيجلب الفتنة في المجتمعات، يكون من الأحسن تركه، لأن في درء المفاسد خير من جلب المصالح.وعليه كن الناقد المصلح ولا تكن المنتقد الهدام، ولا تظن الصامت ضعيف أو أصابه النسيان، فالأرض صامتة لكنها تحمل كم من بركان..