أحــــــداث تـــــازة:
أثارت حالة شعور غير مسبوق في المملكة برمتها وهي تتزوج بالملك محمد السادس، في أبريل 2002. ومنذ ذلك الحين، تبوأت لالة سلمى، موقعا ودورا لم يسبق لامرأة أن حصلت عليه. هنا “بورتريه” لصاحبة سمو ملكي عصرية وملتزمة.
إعداد: امحمد خيي (عن جون أفريك بتصرف)
متواضعة وذكية ورقيقة ولطيفة ولامعة وبليغة وكاريزمية وجملية ومناضلة… هي النعوت التي يطلقها الذين صادفوا على الطريق زوجة الملك محمد السادس. إن لالة سلمى، سواء ظهرت بالقفطان التقليدي أو بهندام عصري، وسواء كانت خصلات شعرها متموجة كشلال متدفق فوق كتفيها أو كانت عقدة براقة، آ كانت باسمة أو بملامح محايدة، تثير دائما، انطباعات، تشكل موضوع اهتمام وتعاليق في المواقع الإلكترونية وعلى الورق الصقيل للمجلات العالمية المتتبعة للمشاهير، والتي تضعها على منصة “السيدات الأوليات، الأكثر جمالا في العالم”.
ذلك أن لالى سلمى، ليست مجرد ياقوت يرصع تاج الملك، بل كانت تحولا كبيرا في نظام المملكة الشريفة، إذ أنها أول زوجة لملك مغربي تنال صفة “أميرة” وتحظى بالموقع البرتوكولي “السيدة الأولى”، علما أنه، لم يكن هناك يوما مؤشر يوحي بأن لالة سلمى ستعيش قدرا مماثلا.
بعدما رأت النور في 10 ماي 1978 في أحضان أسرة من الطبقة المتوسطة، ستغادر سلمى بناني فاس، مسقط رأسها، وهي في عمر ثلاث سنوات، إثر وفاة والدتها، لتترعرع هي وشقيقتها لدى جدتهما من الأم، في حي العكاري الشعبي بالرباط. وبعد مسار دراسي في القطاع الخاص، ثم سنتين في الأقسام التحضيرية بثانوية مولاي يوسف في تخصص الرياضيات، ستلج الفتاة الشابة المدرسة الوطنية العليا للمعلوميات وتحليل النظم في مدينة العرفان بالرباط، ومنها تخرجت في 2000 وكانت على رأس فوجها من حيث التفوق.
وخلال تدريب في مجموعة أومنيوم شمال إفريقيا (أونا)، الشركة التي أدمجت مع الشركة الوطنية للاستثمار وكلاهما مملوكتان للعائلة الملكية، التقت بمحمد السادس. وبعد سنتين، سيركب الملك الشاب الخاتم في أصبعها، ويعقدا القران في حفل من فئة ألف ليلة وليلة.
زلزال سوسيولوجي
إن القصة مثل حكاية من الزمن القديم، وهي بمثابة ثورة في المغرب، أو بتعبير آخر: زلزال سوسيولوجي، عندما لم تعد زوجة الملك ملزمة بالعيش خلف نقاب واختلاس النظر من وراء شرفة مشربية عتيقة، كما هو حال زوجات الملكين السابقين. لأنه بالعكس، قدمت لالة سلمى للشعب المغربي، وأضيف إلى صفة “الأميرة” التي منحت لها، وصف “صاحبة السمو الملكي”، وهو تشريف لم يكن يحظى به قبلها إلا أبناء الملوك.
“لقد كان السيناريو الأفضل. امرأة عادية، ومتعلمة، ومتحررة، غير متحجبة، وأكثر من ذلك جميلة، وبالتالي فلالة سلمى تمثل مستقبل المرأة المغربية، التي يريدها محمد السادس مستقلة وعصرية، مع الارتباط بالتقاليد المغربية”، يقول خبير في التواصل السياسي.
وقبل الزواج بلالة سلمى، بدا محمد السادس منذ اعتلائه العرش، مقتنعا بالحداثة لكن بحذر، فقام بتغييرات جذرية في نمط عيش والده الحسن الثاني وجده محمد الخامس، اللذين كانا يتوفران على “حريم”، ظل بعيدا عن أنظار العامة.
“والمرة الأولى التي تمت فيها رؤية أولئك النساء الاستثنائيات جدا، لحظة نفي الفرنسيين في 1953 السلطان محمد بن يوسف (محمد الخامس)”، يحكي مؤرخ مغربي في تصريح لـ”جون أفريك”، موضحا: “لقد اغتنمت وسائل الإعلام الفرنسية، فرصة خروج السلطان من قصره من أجل نفيه، ووراءه الحريم يتبعه، لتصويره بسرور شديد، إذ كان الغرض، التنقيص من مصداقية الملك المطالب باستقلال بلاده، أمام الرأي العام، بوضع الأصبع على عاداته العتيقة في علاقتها بالحريم”.
وبالموازاة مع وجود الحريم، كانت الزيجات وسط العائلة الملكية المغربية ذات بعد إستراتيجي، فالحسن الثاني، على غرار والده محمد الخامس، اختار كي تكون والدة لأبنائه، امرأة أمازيغية، متحدرة من كونفدرالية قبلية (تحالف)، وكانت تلك طريقة للتخفيف من المخاطر القادمة من الأقاليم المتمردة، فكانت صفة “أم سيدي” (والدة الأمير) تمنح مكانة خاصة وسط باقي الزوجات.
غير أنه بحلول بداية الثمانينات (1980)، ومع حلول أولى هبات موجة الأسلمة الصاعدة من إيران، شرع الحسن الثاني ينفخ روحا سياسية في الزيجات الملكية بالقصر، إذ بزواج بناته الأميرات الثلاث، أصبح ممكنا رؤية العرائس بوجه مكشوف. وكان ذلك نوعا من الازدراء يقوم به أمير المؤمنين ضد التيار الإسلامي المتشدد، الذي بدأ يتصاعد وبدأ ينمم من وراء اللحى التي نبتت على الوجوه.
ورغم ذلك التحول، ظلت مصاهرات الحسن الثاني، تستند على بعد إستراتيجي كان الهدف وراءه تقوية الوحدة الوطنية، فبغض النظر عن صدق المشاعر تجاه زوجاتهم، كان كل واحد من أصهار الحسن الثاني، بطريقته الخاصة، يمثل كشكولا مغربيا ما، حيث تنصهر كل الفئات الاجتماعية.
فعلى سبيل المثال، يجسد فؤاد الفيلالي، الذي تزوج بالأميرة لالة مريم في 1984، البورجوازية الفاسية المتحدرة من تافيلالت، مهد الدولة العلوية، أما خالد بوشنتوف، الذي تزوج بالأميرة لالة أسماء في 1987، فهو يجسد الرأسمالية الشعبية للدار البيضاء، في حين أن خالد بنحربيط، الذي تزوج في 1994 بالأميرة لالة حسناء، فهو يتحدر من أسرة من نبلاء الجهة الشرقية.
“كوبل نورمال”
محمد السادس أكثر براعة وابن عصره، لم يعدد الزوجات ويعيش حياة زوجية عادية، فحرمه قريبة من معيش الناس، وتؤنسن الملك والملكية المغربية، التي صارت عصرية ومنفتحة أكثر. وأثناء الإعلان عن خطبته سلمى بناني في أكتوبر 2001، وبعد التسريبات المنظمة لصور “الساندريلا المغربية”، استقبل محمد السادس بحفاوة بالغة من قبل البرلمانيين لمناسبة افتتاح الدورة الخريفية.
لقد بدا للبعض أن ذلك مؤشر على وضع القصر يده على إصلاح مدونة الأسرة، الملف الذي كان بالغ التعقيد، كما بدا أن العرس سيكون ذا رمزية كبيرة للقصر الملكي. ومازالت الإشاعات تقول أن أولى عمليات الظهور العلني للالة سلمى، كانت مؤطرة وبدقة صارمة من قبل البروتوكول، كما يذهب آخرون بعيدا، ويقولون إن محمد السادس هو الذي كان يختار هندام زوجته في المناسبات الأولى التي رافقته فيها.
متبناة من قبل المغاربة، وكسرت تقاليد البروتوكول، صارت الأميرة لالة سلمى مستقلة، ومنذ سنوات، حظيت بالثقة التامة للملك محمد السادس لتمثيله داخل المغرب وخارجه، فتلتقي كبار زعماء العلماء، من إمبراطور اليابان مرورا بملك “التايلاند” وصولا إلى الرئيسة الأرجنتينية، كما تشارك في الندوات والملتقيات الكبرى، وتحضر بمفردها في حفلات “الغوتا” الأميرية عبر العالم.
لقد صارت تتصدر كافة الجبهات، وبرنامجها وخرجاتها في الأسابيع الأخيرة شاهدة على ذلك: في 18 أبريل، افتتحت المعرض الاستيعادي للفنان ألبيرتو جياكوميتي، بمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، وفي 28 من الشهر نفسه، حلت صاحبة السمو الملكي في زيارة مفاجئة وللتسوق من قطب منتوجات التجميل التقليدية بالمعرض الدولي للفلاحة بمكناس.
وبعد خمسة أيام، استقبلت، بصفتها رئيسة لالة سلمى لمحاربة السرطان، مريم فاي سال، السيدة الأولى للسينغال، للتباحث حول اتفاقية للتعاون، وفي 6 ماي ترأست حفل افتتاح الدورة 22 لمهرجان الموسيقى الصوفية بفاس برفقة صديقتها الشيخة موزة بنت ناصر، السيدة الأولى سابقا ووالدة أمير دولة قطر الحالي.
وفي الجانب الأسري، خصصت الأميرة لالة سلمى، خلال الفترة نفسها، وقتا من أجل ممارسة رياضة ركوب الأمواج برفقة طفليها، الأمير ولي العهد مولاي الحسن، والأميرة لالة خديجة، كما سافرت جوا إلى دبي معهما، للاحتفال بعيد ميلاديهما (8 ماي و10 ماي على التوالي) برفقة والدهما الملك محمد السادس، الذي كان موجودا هناك.
الارتباط بالأصل
في عمر “سيدة قلوب المغاربة”، الآن، 38 سنة، وتمازج، بيسر شديد وأناقة لافتة، بين تأدية مهامها التمثيلية والتطوعية في المجال الجمعوي، وبين حياتها كمرأة وأما،”عادية”، تقريبا، ودون منحها اللقب الرسمي “السيدة الأولى”. فخلال زيارة رسمية لأسوان في مصر، ناداها بعض المارة والجمهور بـ”الملكة”، فسارعت إلى تذكيرهم على الفور بأن في المغرب، لا توجد ملكة، بل “ملك”.
إن الأميرة إذن ملتزمة بموقعها ومكانتها في الصف، وهو موقف مختلف تماما من موقف صديقتها رانيا، ملكة الأردن، التي جلبت على زوجها الملك عبد الله، الكثير من الانتقادات إبان فورة الربيع العربي، بسبب كثرة احتلالها للواجهة الإعلامية، مقابل تواري زوجها الملك في الظل.
وسر لالة سلمى، واضح جدا: البساطة والتوازن. ولا تخوض أثناء حديثها في شؤون السياسة، لكنها لا تخفي بعض قناعاتها، وهي تدافع عن التزامها في محاربة التهميش والتعصب الديني، إذ أنها في 2011، وخلال مؤتمر للنساء الأوائل، بمقر الأمم المتحدة، حول “السيدا”، تحدثت باللغة الإنجليزية، وبدأت خطابها بالعبارة: “أحيي كافة السيدات الأوليات للبلدان الإفريقية (…) ونعرف أن النساء هن مستقبل السلطة بإفريقيا”، ثم واصلت “الناس يختلفون بمجرد أن يتعلق الأمر بالمخدرات، والدعارة والتوجهات الجنسية للأفراد. لكنني أعتقد، أنه عندما نتحدث عن المرض، وعن حياة الناس، ليس الدين عائقا، بل بالعكس، يمكن أن يكون عامل مساعدة كبيرة”.
إن الأميرة تعرف مجال عملها جيدا، وبمعية نصف دزينة من سيدات إفريقيا الأوليات، يتم تبادل الدعم في الالتزامات الجمعوية، ففي مارس 2014، على سبيل المثال، استجابت لدعوة دومنيك واتارا، لحضور حفل التبرعات لمؤسستها “أطفال إفريقيا” المنظم بأبيدجان. وبعد 18 شهرا، قامت السيدة الأولى لساحل العاج، برد التحية، فجاءت إلى المغرب لحضور حفل مماثل لمؤسسة لالى سلمى لمحاربة السرطان.، وهو الحال نفسه مع سيلفيا بونغو، السيدة الأولى للغابون، التي منذ مشاركتها في مؤتمر دولي حول السرطان نظم بمراكش في 2012، وهما تلتقيان وتدعمان بعضهما البعض في مكافحة السرطان.
إذا كانت الأميرة لالة سلمى، قريبة جدا وبشكل خاص من السيدات الأوليات الإفريقيات، وبالقدر نفسه مع الملكة الإسبانية ليتيزيا، وبرناديت شيراك، فهي في الوقت نفسه، مرتبطة بحياتها السابقة، فقبل أشهر، حلت متخفية بدار توليد بالرباط، لزيارة إحدى صديقات الطفولة، التي داهمها المخاض، وتبادلتا الحديث لساعات، ما يعني أن سيدة القصر، التي تعد أشهر امرأة مغربية في العالم، لم تنسى من أين جاءت: الشعب.
بوكس:
في الميدان
منذ 2005، السنة التي تم فيها إحداث مؤسسة لالة سلمى لمحاربة السرطان، والأميرة تبرز كفاعل محوري في المجال، وطنيا ودوليا. وعلى عكس ما قد يعتقد البعض، فالمؤسسة ليست مجرد إيجاد موطئ قدم لأميرة لتتحرك فيه، بل هي التي اختارت المجال والقضية والتزمت فيه لأسباب شخصية وعائلية.
ومنذ إحداث المؤسسة، صار ميدان محاربة السرطان بالمغرب، منقسما إلى مرحلتين “قبل لالة سلمى” و”بعد مجيء لالة سلمى”، وآلاف هن النساء المتحدرات من مناطق هشة، اللواتي تغيرت حيواتهن بفضل المؤسسة، ويستفدن من علاجات مجانية توفرها المؤسسة التي يوجد على رأسها مجلس إداري، أعضاؤه وزراء ومسؤولون وكبار رجال الأعمال، ومجلس علمي يضم أفضل الأطباء في المجال.
وبالعودة إلى حصيلة عشر سنوات من وجود المؤسسة، يشهد دليل صدر في 2015، بالإنجازات: 28 مركزا للعلاج أنشئت في الجهات الرئيسية، في أفق الوصول إلى 88 مركزا لتغطي كافة أقاليم المملكة في 2019، وتكوين 2500 إطار متخصص في المجال، وخلال كل سنة، يستفيد مليون مغربي ومغربية من أنشطة الفحص المبكر والتحسيس والتوعية، وهي الإنجازات التي تطلبت استثمار 8.2 ملايير درهم.