عبدالحق خرباش 08.01.2023
كاتب صحفي ومدير النشر للجريدة حقيقة نيوز.نت
في الإعلام التقليدي هنالك ضوابط مهنية، كمواثيق الشرف المهني، والمعايير التحريرية التي تلتزم بها المؤسسات الصحافية الموثوقة، واحترام الصحافيين المتشبعين بثقافة المهنة لذواتهم من جهة، وللجمهور الذي يستهدفونه برسائلهم الإعلامية من جهة ثانية، فالخبر مقدس والتعليق حر.
أما على مستوى الإعلام الاجتماعي فلا يوجد ما يُلزم صناع المحتوى بمبادئ أخلاقية تحكم سلوكهم وتجعل المواد التي ينشرونها خاضعة للحد الأدنى من الدقة والصدقية والحياد وعدم الخلط بين الرأي والخبر، لذلك تجد العبث والفوضى على وسائل التواصل الاجتماعي حاضرين بقوة، وأحيانا تتحول هذه المنصات من ساحة لتبادل الأفكار والآراء إلى مساحة مفتوحة للسب والقذف والتحريض وبث الفرقة، ونشر الأخبار الزائفة.
في هذه المحاضرة سنبدأ بالتعرف على ماهية التواصل الاجتماعي، ثم سنستعرض أبرز مظاهر الفوضى المنتشرة على الميديا الرقمية، وستتعرف عزيزي المتابع على الأسباب التي ساهمت في خلق وانتشار هذه الفوضى. وفي الختام ستتمكن من التمييز بين المحتوى الذي يستند إلى معايير مهنية، وذلك الذي يساهم في تزييف الوعي ونشر الأكاذيب.
أخبرني عزيزي المتابع.. ما هو شعورك وأنا أقول إن أقدم مظهر من مظاهر التواصل الاجتماعي يمكننا الوصول إليه الآن هو عبارة عن منحوتات ورسوم على الجدران والمعابد والقبور؟ صناع هذا المحتوى إن جاز التعبير.. كانوا نحاتين يعملون على توثيق يومياتهم، والأحداث الهامة كالانتصارات أو الهزائم في شكل نقوش على جدران الكهوف والجبال والمعابد.. كان الإنسان بداية يلجأ إلى هذه النقوش ظنا منه أنها ستكون درعا يقيه شرور الطبيعة والحيوانات المفترسة، إذ كان يعتقد أن السيطرة على صورة الحيوان المرسومة على الجدار أو رشقها بالسهام والرماح ستمكن من السيطرة عليه في الواقع. وبقيت تلك الرسومات شاهدة على حضارات مختلفة، ومثلت جسر تواصل بيننا وبين الحضارات القديمة، فـأطلعتنا على جوانب مختلفة من حياتهم واهتماماتهم، ونجح من خلالها الرسامون في توثيق مشاعرهم ومشاهداتهم عبر ذلك المحتوى الذي ظل صامدا رغم عاتيات الزمن.
مع الثورة التقنية لم نعد بحاجة إلى جدران المعابد والمقابر لتوثيق يومياتنا، كل ما نحتاجه الآن هو اتصال بشبكة الإنترنت وحساب على إحدى منصات التواصل الاجتماعي.
ماذا نعني بمواقع التواصل الاجتماعي؟
من منا لا يعرف التواصل الاجتماعي ولا يعرف أبرز مواقعه؟ فمن لا يعرف التواصل الاجتماعي أكاد أجزم أنه لا يستطيع مشاهدتي الآن ومتابعة هذه المحاضرة. قبل التحدث عن التواصل الاجتماعي دعوني أرجع قليلاً للوراء، إذ كان التفاعل بين البشر منذ قرون عديدة، يعد مصدر قلق كبير نتيجة المسافات الطويلة التي كانت تفصل بينهم، وهو ما جعل البشر يحلمون بإيجاد حلول إبداعية تزيد من سرعة إيصال وتلقي المعلومات والأخبار وتختصر زمن السؤال والجواب.
وكان على العالم أن ينتظر ظهور الإنترنت وما نجم عنه من ثورة في مجال الاتصال، توجت مع مطلع الألفية الجديدة بظهور أول موقع للتواصل الاجتماعي وهو موقع ماي سبيس “Myspace” الذي يعتبر البداية الحقيقية لوسائل التواصل الاجتماعي كما نعرفها اليوم.
ورغم أن وسائل التواصل الاجتماعي تدل من اسمها على زيادة تواصل الناس وتفاعلهم مع بعضهم البعض، إذ تربِط فكرة التواصل الاجتماعي الفرد بالآخرين في دائرة اجتماعية تشمل العائلة وتتوسع لتصل إلى الأصدقاء والمعارف وتكوين صداقات جديدة، لكن تلك الفكرة الجميلة في وقتها أخذت تتفاعل عبر نقاشاتِ وآراءِ وطموحات المطورين قبل المستخدمين، فسرعان ما تضاعفت وسائل التواصل الاجتماعي واتسعت لتشمل جوانب مختلفة، ومجالات متعددة، ولم تعد مقتصرة على الدردشة والاتصال بالأهل والأصدقاء والمعارف، بل أصبحت موئل الإعلام الجديد.
منذ ذلك الحين سيطرت صفة الإخبار على المنصات الرقمية، فأخذت تتحول شيئاً فشيئاً إلى أماكن لاستقاء المعلومات وتناقلها، وأصبح جل المستخدمين يعتمد عليها في الوصول إلى الخبر والمعلومة والتحليل.
لكن هل صاحب ذلك التحول الذي شهدته تلك المنصات معايير ضابطة لما يتم نشره، وإجراءات لمحاربة فوضى مشاركة الجميع في نقل الأخبار وبثها وإعداد المحتوى ومشاركته مع ملايين المستخدمين؟
في الإعلام التقليدي هنالك ضوابط مهنية، كمواثيق الشرف المهني، والمعايير التحريرية التي تلتزم بها المؤسسات الصحافية الموثوقة، واحترام الصحافيين المتشبعين بثقافة المهنة لذواتهم من جهة، وللجمهور الذي يستهدفونه برسائلهم الإعلامية من جهة ثانية، فالخبر مقدس والتعليق حر.
أما على مستوى الإعلام الاجتماعي فلا يوجد ما يُلزم صناع المحتوى بمبادئ أخلاقية تحكم سلوكهم وتجعل المواد التي ينشرونها خاضعة للحد الأدنى من الدقة والصدقية والحياد وعدم الخلط بين الرأي والخبر، لذلك تجد العبث والفوضى على وسائل التواصل الاجتماعي حاضرين بقوة، وأحيانا تتحول هذه المنصات من ساحة لتبادل الأفكار والآراء إلى مساحة مفتوحة للسب والقذف والتحريض وبث الفرقة، ونشر الأخبار الزائفة.
لكن لماذا؟ وما هو السبب وراء كل هذه الفوضى؟ لماذا نتخلى عن قيم المهنة والأخلاق الإنسانية العادية التي يفترض أن يلتزم بها كل فرد بغض النظر عن انتمائه لعالم الصحافة من عدمه؟ وما الفرق الجوهري بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد الذي سمح بظهور مثل هذه الفوضى؟
هنا سأعطيعكم تصوراتي كصانعة للمحتوى من خلال تجاربي الشخصية وقراءاتي الخاصة:
أولا الفصل بين الواقعي والافتراضي، فانتشار شخصيات بأسماء وصور مستعارة ساهم في انتشار الفوضى، نتيجة لعدم ربط المحتوى المسيء لقيم المهنة والمجتمع والمشوه للحقيقة بشخصية ناشره الحقيقية، هذا أحد الأسباب..
ومن الأسباب أيضا عدم ممارسة البعض لسلوكه الحقيقي على منصات التواصل الاجتماعي، فعلى الرغم من كونه قد يستخدم هويته الحقيقية، إلا أنه قد ينحاز لطرف أو جهة أو تيار أو طائفة بسبب سطوة المجتمع أو نتيجة لمصلحة شخصية، وهو في هذه الحالة لا يستند إلى الموضوعية فيما يقدمه من محتوى، وإنما تقوده معايير أخرى منها المصلحة والعرف والعادة.
في بادئ الأمر كان السلوك في مواقع التواصل الاجتماعي يتماشى نوعا ما مع مفاهيم تمثل فلسفة المدينة الفاضلة لأفلاطون، لاسيما وأن التعاطي مع مواقع التواصل الاجتماعي في البداية كان يدفع باتجاه تعزيز فعل الخير والمواطنة وبناء المجتمعات، خاصة وأن أول رواد تلك المواقع هم النخب الثقافية لأنها تمتلك ريادة ثقافية ومعرفة تقنية وكان كل شيء يسير على ما يرام.
ولكن “البروباغندا” الساحرة الشريرة للأخبار.. التي تعني تلك السيدة الخبيثة التي تنشر المعلومات بطريقة موجهة وكاذبة ومنقوصة للتأثير العاطفي على الأشخاص، تلك السيدة دخلت على الحالمين بالمدينة الفاضلة فسرقت الحلم.. كيف ذلك؟
دخلت الألاعيب السياسية على منصات التواصل الاجتماعي باعتبارها وسيلة إعلامية فعالة ومؤثرة، فتم إنشاء العديد من المنصات التي قد لا تعلن ارتباطها بجماعات أو أحزاب أو طوائف، ولكن المحتوى الذي تنشره يعلن ذلك، فانتشر التشهير والتشويه والسجالات غير المفضية إلى نتيجة، اللهم إلا إذا كانت غرضا خبيثا تحققه الجهة التي تقف وراء المنصة.
انتشر كذلك ما يعرف بالذباب الإلكتروني، وباتت هناك برمجيات خبيثة، تساهم في التأثير على الرأي العام، وتشكيل توجه محدد، وانتشار فكرة معينة، حتى وإن كان المعتنقون لهذه الفكرة، والمؤمنون بها فعليا يعدون على أصابع اليد الواحدة. ظهرت أيضا منصات وحسابات متخصصة في تلميع صور أشخاص بعينهم، وجعلهم رموزا وقدوات وأمثلة تحتذى.. وهم في واقع الأمر أسوأ من أن يقتدوا بأنفسهم. المشكلة أن هذه الألاعيب تؤثر على المستخدم العادي، وتغير نظرته للأشياء، والأشخاص، وتجعله يسير في الاتجاه الذي يريده أصحاب هذه المنصات، وليس من السهل أبدا إقناعه بأنه مخدوع، خصوصا أنه يرى الآلاف أو الملايين من الأشخاص المقتنعين بنفس الفكرة، ما يعزز تمسكه بها، لكنه لا يدري أن كل هؤلاء قد يكونون عبارة عن ذباب إلكتروني، أو أشخاص مخدوعين بنفس الطريقة التي خدع بها هو.
ومن أسباب انتشار وتأثير هذا النمط من المحتوى الخطير، ما يرصد له من إمكانيات ضخمة وميزانيات كبيرة هدفها التسويق له، فمن مميزات منصات التواصل الاجتماعي أن المادة التي لا تلقى تفاعلا بين الجمهور في البداية يمكن لصاحبها أن يزيد من انتشارها عبر الترويج لها، حيث تقوم منصات مثل تويتر وفيسبوك بزيادة مدى انتشار المواد مقابل دولارات قليلة، وهذا إلى جانب الذباب الإلكتروني، الذي يحشد المزيد من التفاعل، ويحدِث المزيد من التأثير، ويساهم في ما نسميه بالفوضى التي باتت تحكم منصات التواصل الاجتماعي، دون رقيب أخلاقي أو مهني، ودون أي وازع أو ضمير.
من أسباب انتشار الفوضى أيضا تصدر بعض الشخصيات الساذجة للمشهد على مواقع التواصل الاجتماعي، فحجم التأثير على السوشيال ميديا يحسب بعدد المتابعين والمتفاعلين، لا بقيمة المحتوى المنشور، فتجد على سبيل المثال شخصا يتابعه مئات الآلاف من المستخدمين، وأحيانا يتابعه الملايين، وهو في واقع الأمر سطحي جدا، وغير متعلم، ولا يكلف نفسه عناء التأكد من أي معلومة قبل نشرها. وأي تغريدة أو تدوينة ينشرها يتداولها متابعوه في لحظات، وتصبح حديث الساعة، على الرغم مما قد تحمله من تجن على مهنة الصحافة، وصدقية الخبر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مسؤولية الفوضى المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي لا يتحملها المستخدمون فقط، بل إن نسبة كبيرة منها تقع على عاتق المنصات الرقمية نفسها، حيث لا تقوم بالجهد المطلوب لإيجاد آليات ووسائل تحد من انتشار هذه الفوضى.
ننتقل إلى مظهر آخر من مظاهر الفوضى في العالم الرقمي، وهو البحث عن التفاعل، فهناك من صناع المحتوى من يغير أسلوبه ويتنازل عن اهتمامه بدقة ما ينشره، بحثا عن السبق وتحقيق أكبر عدد من المشاهدات والتعاليق والإعجابات وإعادة التغريد، وكثيرا ما يقع في المحظور بحيث يكون مصدرا لمعلومة مضللة، أو خبرٍ زائفٍ، ولكنه لا يمتنع عن العودة إلى نشر مثل هذه الأخبار، لأنها تحقق هدفه الأول.. وهو التفاعل، يكفيه أن تجد منشوراته زخما، وأن تظل صفحته قبلة للباحثين عن أي خبر أو إشاعة أو تسريب، بغض النظر عن صحة ذلك أو أخلاقيته.
وهناك أسباب أخرى زادت من هذه الفوضى من بينها: الاعتقاد الخاطئ بسهولة صناعة المحتوى لمواقع التواصل الاجتماعي، فبساطة المحتوى الذي يمكن أن ينشئه المستخدمون بجميع أشكاله: المكتوب أو الصوتي أو المرئي عبر الهاتف المحمول زاد من رداءة المحتوى المنشور دون الاستناد إلى أي معايير فنية أو مهنية، وضاعف من ظاهرة النسخ واللصق دون احترامٍ لملكية فكرية أو تحققٍ مما يتم نسخه ولصقه قبل بثه بين جمهور المستخدمين.
ظهور مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة إعلامية تعتمد على سوق الأرقام وبورصات المشاهدة والتفاعل جعل أغلب صناع المحتوى ينشغلون بالسعي الحثيث للبقاء في سوق المشاهير على حساب المحتوى، وأصبحوا يبحثون عن ما تريده الجماهير وما يثير فضولها فقط.
كيف حولنا مواقع التواصل الاجتماعي من المستوى الفاضل الذي قد يكون وسيلة فعالة في بناء المجتمعات إلى مفاهيم التسطيح والعبث التي بسطت سلطانها على كافة أرجاء العالم كما يقول المفكر والفيلسوف الكندي آلان دونو في كتابه نظام التفاهة؟ فهنا نزلت مواقع التواصل إلى قاعِ المجتمع وجانبه السلبي بدل أن ترفعه إلى مستوى النخبة والمثقفين والقدوات الحقيقية.
وإذا أردنا بحث هذه الظاهرة من منظور نفسي كوسيلة جماهيرية نجد التعامل معها يتفق مع ما طرحه أحد أعمدة علم النفس الجماهيري غوستاف لوبون الذي يرى “أن الجماهير لا تعقل، فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلا واحدا من دون أن تتحمل مناقشتها” ففي الحالة الجماهرية تنخفض الطاقة على التفكير ويذوب المغاير في المتجانس، بينما تطغى الخصائص التي تصدر عن اللاوعي.
أما من زاوية علم الاجتماع، فيفترض الفيلسوف الفرنسي إميل دوركايم في قراءة الأفراد أن العقل الجمعي ناتج عن تشابه وتجاذب مجموعة من الأفراد مع بعضهم البعض وإنتاج كائن نفسي جديد له شخصية نفسية جديدة، وبذلك يتميز الشعور الجمعي عن الشعور الفردي كليا فلا تستغرب يا عزيزي صانع المحتوى لماذا إن صادفت متابعا لمحتواك في العالم الحقيقي تجده مرحبا بك وقد يلتقط صورة معك، وهو في نفس الوقت ذات المتابع الذي يتهجم عليك في مواقع التواصل الاجتماعي، ففي الواقع أفعاله مبينة على قناعته الخاصة، أما في العالم الافتراضي فهو جزء من الكل، وردات فعله تنصهر في عقلية التفكير الجمعي.
أشكال الفوضى في مواقع التواصل الاجتماعي:
تعرفنا أصدقائي المتابعين على نماذج من مسببات الفوضى على شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن هذه الفوضى تأخذ أنماطا وأساليب مختلفة، فما هي أبرز أشكال الفوضى على المنصات الرقمية؟
من أشكال الفوضى انتشار المحتوى الملفق: وهو المحتوى المزيف، الذي ينشره صاحبه عمدا وعن سابق إصرار بهدف خداع المستخدمين، أو للإقناع بفكرة أو توجه معين، أو للنيل من شخص أو جهة أو طائفة، ومنها أيضا المحتوى المنسوب لشخصيات لا تربطها به أي علاقة، وهذا عادة ما يحدث بسبب انتحال أحدهم لصفة شخصية عامة بهدف التأثير في أتباعها أو لأغراض من بينها تشويه سمعة تلك الشخصية لخلق رأي عام ضدها على مواقع التواصل الاجتماعي.
من أشكال المحتوى المضلل كذلك، التلاعب بالمعلومات واجتزاؤها أو بترها من سياقها لتحيل إلى معان جديدة لا يريدها المصدر الذي قام بنشرها أول مرة، يأتي التلاعب بالمحتوى أيضا في شكل عناوين خداعة، وربط المضمون بصور ليست لها أي صلة به.
يقوم بعض المستخدمين أيضا بتضخيم الأحداث وتهويلها، عبر مجموعة من الألاعيب والحيل، منها مثلا ربط حدث آني بأحداث قديمة، أو أخرى جرت في أماكن بعيدة، وهذا ما نسميه بخدعة الزمان والمكان. لدينا كذلك التلفيق وإلقاء التهم جزافا بحق الأفراد والجماعات دون أي سند أو بينة.
هذه بعض أشكال الفوضى المنتشرة، وهي في الحقيقة أشكال كثيرة لا يمكن حصرها، لأن هذه الفوضى أصبحت صناعة رائجة، ومن أهم مميزاتها أن أصحابها يغيرون أساليبهم بشكل مستمر وذلك حتى لا يتم كشف زيف المحتوى والغرض منه.
كيف تميز بين المحتوى الذي يستند إلى معايير مهنية وذلك الذي يساهم في تزييف الوعي ونشر الأكاذيب؟
بعد أن أصبح لديك معرفة بأشكال الفوضى ومسبباتها إليك بعض النصائح لتجنب الوقوع في فخها على شبكات التواصل الاجتماعي.
تتميز المواد التي يمكننا إدراجها ضمن خانة الفوضى المنتشرة على المنصات الرقمية بكونها تعمد إلى دغدغة المشاعر واستثارة العواطف من خلال صياغة مبنية على أسلوب إنشائي لا يستند إلى حقائق مثبتة أو دراسات علمية أو إحصائيات موثقة.
هذه المواد أيضا تتلاعب بالسياق، فتقتطع معلومة من سياق وتلصقها بسياق آخر
تزييف المصادر.. بحيث يقوم بعض صناع هذا النوع من المحتوى بعزو معلومات إلى مصادر لا علاقة لها بها
تكرار نفس الفكرة بأساليب وقوالب مختلفة بهدف ترسيخها في الأذهان عن طريق التكرار والإعادة
الإسناد إلى مصادر غير معروفة.. مثل: قال مراقبون، وأكد مصدر آثر عدم ذكر اسمه، وتقول المصادر، ويشير الخبراء…
تبني وجهة نظر واحدة غير مدعومة برأي مخالف
التركيز على جهة أو طائفة أو تيار فكري دون غيره، ويكون ذلك التيار أو الطائفة عادة هم العدو الذي يريد صاحب المحتوى الملفق أن يؤثر على صورته
ضعف الجانب التحريري وغياب الأدلة المقنعة، والافتقار إلى الأسلوب الصحافي الرصين الذي يؤكد أن هذه المادة أعدت من قبل جهة إعلامية تحترم ذاتها وجمهورها.
أخطاء شائعة تجنب الوقوع بها أثناء تصفح الإنترنت:
رأينا في الفقرات السابقة حجم انتشار المحتوى العنيف والمحرض أو الذي يتضمن إساءة أو تنمرا بحق أشخاص أو طوائف أو تيارات فكرية، وأنت عزيزي المتابع قد تقع في فخ نشر مثل هذا المحتوى وترويجه بالتعليق عليه أو مشاركته عبر صفحتك الشخصية، خصوصا إن كان يستهدف فئة تختلف معها في الطرح والرؤية، لكن عليك كمستخدم واعٍ لمنصات التواصل الاجتماعي أن تبتعد عن المساهمة في نشر مثل هذا المحتوى، وأن تقتصر في نقد من يخالفك في الرأي على نشر المحتوى المسؤول الذي لا يدعو لفتنة ولا يحرض على أحد.
رأينا أيضا انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة، وأنت عزيزي المتابع قد تساهم في نشر مثل هذه المعلومات عن حسن نية، لهذا عليك أن تعتمد فيما تنشره من أخبار ومعلومات، وما تشاركه مع متابعيك على مصادر موثوقة.. قد تكون مثلا جهات رسمية أو صحفيين جادين، أو مؤسسات إعلامية رصينة، مثل هذه المؤسسات يمكنك الاعتماد على نشراتها الإخبارية، أو مواقعها الإلكترونية، ويمكنك أيضا استقاء المعلومات من منصاتها الرقمية بشرط التأكد من وجود العلامة الزرقاء بصفحاتها ما يؤكد أنها ليس صفحات مزورة.
بمناسبة التأكد من الصفحات الشخصية، يجب أيضا ألا تقوم بعزوِ أي خبر إلى أي شخص على مواقع التواصل الاجتماعي دون التأكد من أنه هو صاحب الحساب الفعلي، فقد انتشرت على المنصات الرقمية صفحات كثيرة تحمل أسماء لأشخاص معروفين دون أن تكون لهم أي صلة بها. وهذا ما يفرض عليك كمستخدم مسؤول ألا تنسب أي معلومة لأي شخص دون التأكد من أنه مصدرها الحقيقي. أعرِفُ أن هذا الشخص قد لا يكون صديقك، وقد ينتمي لتيار تعارضه وترى أنه يستحق النقد والانتقاد أحيانا، لكن لا تجعل اختلافك مع أي شخص أو أي جهة يدفعك للوقوع في فخ نشر الأخبار الزائفة، فمصداقيتك هي رأس مالك الأول.
لا تنجرف خلف شهرة الأشخاص على مواقع التواصل، فقد تجد شخصا مشهورا لكنه بالمعايير الطبيعية لا يستحق أن تستقي منه أي خبر ولا معلومة، احرص على ألا تنخدع بمثل هذه الشخصيات ولا تعتمد عليها أبدا كمصدر موثوق.
تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي صفحات تمتهن نشر التسريبات وتطرح نفسها على أنها كاشفة للحقائق ومالكة لخبايا الأحداث وكأن لديها شبكة مصادر خفية، تتستر تلك المنصات وراء عناوين لها رمزية تاريخية أو مجتمعية أو تحمل صفة تدل على أن من يديرها أحد أصحاب النفوذ والسلطة، كن حذرا في التعامل مع مثل هذه الصفحات، وتأكد أنها في الغالب لديها أجندات خاصة، وتعمل وفق توجه معين، قد يكون بعيدا كل البعد عن توجهك، وقد يكون آخر همها نشر الحقيقة، إنما تعمل وفق ما يخدم الهدف الذي رسمته لنفسها منذ البداية.
أخيرا.. ستجد بعض المعلومات التي تبدو موثوقة وصادقة، ويستند ناشروها إلى مصادر معتمدة، لكن حين تدقق في كتابة المضمون تجد أن الكاتب قد انتهج نوعا من التعميم وبنى استنتاجات خاطئة على معلومات صحيحة، دورك أن تنقح مثل هذا المحتوى مما يتضمنه من تعميم غير دقيق، واستنتاجات خاطئة قبل أن تقوم بنشره ليطلع عليه متابعوك.