عبدالحق خرباش 01.02.202
كاتب صحفي ومدير النشر للجريدة حقيقة نيوز.نت
لعربي الجديد
تستضيف العاصمة المغربية الرباط، ابتداء من اليوم الأربعاء وعلى مدار يومين، اجتماع قمة رفيع المستوى بين الحكومتين المغربية والإسبانية، وعلى طاولته 3 ملفات شائكة، وذلك بعد تسعة أشهر من المصالحة التي مكّنت من تجاوز أزمة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين الجارين، على خلفية استقبال السلطات الإسبانية لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي بهوية جزائرية مزيفة للعلاج.
وتُعتبر القمة، التي لم تنعقد منذ عام 2015، لحظة مهمة، بالنسبة للمرحلة الجديدة من العلاقات بين الرباط ومدريد، والتي انطلقت عقب المباحثات التي جمعت العاهل المغربي الملك محمد السادس، في الثامن من إبريل/نيسان الماضي، برئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، وهي المحادثات التي رسمت تفاصيل “خريطة طريق” أنهت القطيعة الدبلوماسية بين البلدين.
وتُعقد أعمال القمة الثنائية رفيعة المستوى، برئاسة رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، ونظيره الإسباني بيدرو سانشيز، في حين يُنتظر أن يخص العاهل المغربي رئيس الحكومة الإسبانية باستقبال في القصر الملكي بالرباط. ويرافق سانشيز، في زيارته، وفد رفيع المستوى يتكوّن من 12 وزيراً، من أبرزهم وزير الخارجية خوسيه ألباريس، ووزير الداخلية فرناندو غراندي مارلاسكا، ووزيرة العدل بيلار لوب.
كما ستشهد القمة انعقاد منتدى الأعمال، لتعزيز الاستثمارات والتجارة بين البلدين، بإشراف من الاتحاد العام لمقاولات المغرب (نقابة رجال الأعمال في المغرب) والاتحاد الإسباني لمنظمات رجال
الأعمال. وينتظر أن تشهد القمة كذلك توقيع ما يقارب العشرين اتفاقية لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والتجارية بين البلدين.
ملفات خلافية بين المغرب وإسبانيا
وتكتسب قمة الرباط، حسب مراقبين، أهمية، بالنظر إلى كونها مناسبة لوضع الخطوط العريضة للعلاقات بين الدولتين، ولإثارة ملفات شائكة وخلافية تفرض نفسها على أجندة عمل القمة وحرص البلدين على علاقات قائمة على الاحترام المتبادل والطموح القوي، فضلاً عن تنفيذ الالتزامات المشتركة لخدمة مصالح البلدين ولخدمة الأمن والاستقرار الإقليميين.ويأتي على رأس الملفات الخلافية التي قد تحضر على طاولة القمة، ملف ترسيم الحدود البحرية، الذي كان قد فجّر قبل ثلاث سنوات أزمة بين البلدين الجارين، بعدما أقر مجلس النواب المغربي في 22 يناير/كانون الثاني 2020، مشروعي قانونين لترسيم الحدود البحرية، بما فيها المجاوِرة لجزر الكناري في المحيط الأطلسي، بما يشمل إقليم الصحراء.
وأجمعت الطبقة السياسية والرأي العام في المغرب على أن للخطوة صبغة استراتيجية لأنها تكرس سيادة الرباط على البحار المتاخمة، ورأت فيه الحكومة المغربية قراراً “سيادياً يوافق القانون الدولي”، مع رهانها على الحوار إذا وقع أي تداخل بين المجالات البحرية للبلدين.
في المقابل، أبدت مدريد معارضة شديدة للخطوة، واعتبرتها محاولة لفرض سيادة الرباط على مجالات حيوية قريبة من جزر الكناري التابعة لها، وأنه ينبغي إتمام ذلك في إطار اتفاق مع البلد الآخر وفي احترام لقواعد ومعايير اتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار، في حالة وقوع أي “تداخل” بين المجالات البحرية.
وفي ظل وجود تباين في وجهات النظر، يُنتظر أن تشكّل القمة فرصة لتحقيق بعض التقدم في حلحلة أزمة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لاسيما بعدما قطعت اللجنة الثنائية المكلفة بترسيم الحدود أشواطاً مهمة خلال اجتماعاتها المنعقدة بين يونيو/ حزيران وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، وهو ما لم يتم منذ ما يزيد من 17 سنة.
من جهة أخرى، ينتظر أن تشكل القمة كذلك فرصة لبحث ملف خلافي آخر يوصف بالشائك، يتعلق بإدارة المجالات الجوية. ففي الوقت الذي تصر فيه السلطات المغربية على استعادة سيطرتها الكاملة على المجال الجوي في الصحراء، تبدي السلطات الإسبانية، المستعمِر السابق للمنطقة، تشبثها بالإشراف وبشكل رسمي على الأجواء الجوية في المنطقة.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي، يدير المغرب وإسبانيا بشكل مشترك الأجواء الجوية في الصحراء من مركزي مراقبة الطيران في الرباط وكناريا الكبرى. لكن الرباط ظلت تطالب بالسيطرة على المجال الجوي في الصحراء بشكل كلي، في حين لا تبدي مدريد استعداداً لحسم إدارة المجال الجوي في المدى القريب.
وتبقى من الملفات الشائكة والأكثر حساسية في علاقات البلدين، قضية مدينتي سبتة ومليلية، إذ في الوقت الذي لا يعترف فيه المغرب بأي حدود برية بينه وبين إسبانيا، تتمسك مدريد بإسبانية المدينتين. كما تسعى سلطتا المدينتين وفعاليات مدنية محلية، لفرض تأشيرة “شينغن” للدخول إليهما، وهو ما تتجاوب معه حكومة سانشيز بنوع من البرود، حتى الساعة، تفادياً لكل ما يمكنه التأثير على علاقات البلدين بعد إعادة تطبيعها.تطورات إيجابية في علاقات الرباط ومدريد
ورأى رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، نبيل الأندلوسي، أن القمة المغربية الإسبانية “تنعقد في ظل تطور إيجابي للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد الاعتراف التاريخي للحكومة الإسبانية بالسيادة المغربية على الصحراء”.
ولفت في حديث مع “العربي الجديد”، إلى إمكانية تحقيق تقدّم واتفاق يرضي الطرفين، بما يخدم مصالحهما القومية، ويحقق أمن واستقرار المنطقة، على مستوى ملفات عدة، من أبرزها الملف الأمني، ومحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، والهجرة غير القانونية. لكنه أضاف أن هناك ملفات أخرى ذات بُعد استراتيجي، ولا تقل أهمية، يمكن أن تظل عالقة بسبب حساسيتها لكلا الطرفين، مثل وضعية مدينتي سبتة ومليلية، ومسألة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين الجارين.واستبعد الأندلوسي أن يُطرح وضع هاتين المدينتين والجزر المحتلة، في القمة الحالية، إلا في ما يتعلق بكيفية تنظيم الحركة التجارية بين البلدين على مستوى هاتين النقطتين.
ولفت إلى أن “الخارجية الإسبانية أعلنت الشروع في تحويل المدينتين إلى نقطتين للتصدير والاستيراد بين البلدين، فيما عزفت الخارجية المغربية عن إصدار أي بيان في الموضوع، على الرغم من حساسية الملف وأهميته بالنسبة للشعب المغربي”. وأضاف أن ذلك يفتح المجال للتأويلات بشأن الترتيبات المتعلقة بالموضوع، مع الإشارة إلى أن المغرب لا يعتبر المدينتين منطقتين حدوديتين، وإنما يسميهما “باب سبتة” و”باب مليلية”.
الابتعاد عن الملفات الشائكة؟
من جهته، رأى الباحث في تاريخ العلاقات الدولية، بوبكر أونغير، أن قضيتي سبتة ومليلية، وترسيم الحدود البحرية، ستكونان من القضايا التي سيتم التغاضي عنها وتلافي الخوض فيها، لأنهما صراعيتان ولا تحتملان حلاً قريباً أو وشيكاً، والتطرق إليهما لا يؤخر ولا يقدّم في حل هذين الملفين الشائكين.
وأوضح أونغير، في حديث مع “العربي الجديد”، أن القمة الثنائية ستحاول التطرق بقوة للمشترك بين البلدين، وخصوصاً طرد عناصر جبهة البوليساريو وترحيلهم من الأراضي الإسبانية، أو على الأقل تقييد تحركاتهم الإعلامية والسياسية داخل الأراضي الإسبانية. وبحسب أونغير، فإن سلطة الجغرافيا وأحكام التاريخ تحتم على البلدين السعي لتطوير علاقاتهما في ظل أوضاع دولية شائكة، مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي حشرت أوروبا في زاوية السياسة والاقتصاد الدوليين، وفتحت مجال التفوق الدولي للولايات المتحدة وحلفها الدولي.في المقابل، توقع الباحث في العلاقات المغربية الإسبانية والهجرة، الحسن جفالي، أن يستقطب وضع مدينتي سبتة ومليلية والعلاقات التجارية بالإضافة إلى الهجرة غير النظامية، حيزاً زمنياً لا بأس به في مباحثات القمة المغربية الإسبانية لإيجاد حل وسط يرضي الطرفين.
ولفت إلى أن موضوع المدينتين والجزر المحتلة كان من اهتمام الوزيرة الإسبانية السابقة ماريا أنطونيا تروخيو، التي نادت خلال ندوة نُظمت أخيراً في جامعة عبد المالك السعدي بتطوان (شمال المغرب)، بحضور رئيس الحكومة الإسباني السابق خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، بعودة المدينتين إلى المغرب، معتبرة إياهما من بقايا الماضي.
واعتبر جفالي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تجذر العلاقات المغربية الإسبانية في التاريخ، نظراً للتواجد المغربي لحوالي 8 قرون في الأندلس والحضور الإسباني لعدة عقود في شمال وجنوب المغرب إبان الحماية الإسبانية للمغرب، يؤدي إلى تداخل كل ما هو ثقافي واقتصادي واجتماعي في علاقات البلدين. ولفت إلى أن “هذا الرصيد يُعتبر خريطة طريق لبناء علاقة تستقر على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة”.