شدّد زعيم حركة النهضة راشد الغنّوشي على ضرورة تحييد المساجد عن العمل الحزبي، مشيرا إلى أن تونس اليوم تحتاج إلى التخصّص، “مثلما اختارت النهضة الجديدة التخصص في العمل السياسي دون غيره”، وفق تعبيره.
وتابع الغنّوشي في مقابلة خاصة على قناة “نسمة”، مساء الأحد، أنّ كل فرد في المجتمع مدعو إلى العمل في مجال تخصّصه، “فالنقابة ليست مجالا للعمل السياسي، والمساجد أماكن للعمل الديني فقط، والمؤسسات الدينية لا بدّ أن تكون منفصلة عن الأحزاب، والتخصّص هي الكلمة المفتاح في المجتمعات الحديثة”، على حدّ وصفه.
وقال رئيس “النهضة” إنّ داخل حزبه قيادات في المكتب التنفيذي أو مجلس الشورى، هم في الأصل أئمة مساجد؛ لذلك “فهم مطالبون بتطبيق قرار التخصّص في مجال واحد؛ إمّا السياسة أو العمل الدعوي أو الثقافي أو الخيري وغيرها، درءا لشبهة الدعاية الحزبية فوق المنبر”.
النهضة الجديدة
وأضاف الغنّوشي أنّ حركة النهضة هي اليوم وغدا حزب سياسي ديمقراطي وطني، “مرجعتيه الإسلام الذي يمثل جوهر الدستور التونسي”، لافتا إلى أنّ “النهضة الجديدة هي الحزب المتخصّص في العمل السياسي لا غير، تماشيا مع مواد الدستور”.
وقال الغنّوشي إنّه ليس في حركة النهضة من يُحرّم الديمقراطية أو يرى أنها تناقض الإسلام أو يعتبر العنف طريقة للتغيير أو بديلا للمؤسسات ،”فهذا متفق عليه بين كل النهضويين وليس هناك نهضوي واحد لا يؤمن بالعملية الانتخابية أو حقوق الإنسان أو التداول السلمي على السلطة”.
وتابع بقوله: “نحن تطورنا ولم نتغيّر (…) لم ننسلخ من إسلامنا الذي جاء بالخير للناس، ويدعو للحياة وليس لقتل الناس الأبرياء كما يفعل الإرهابيون الذين يتبنون شعار سفك الدماء، فنحن نتمايز عن هؤلاء الذين يؤسّسون للفساد والدمار والإرهاب الذي ندينه”.
اليهود والمسيحيون
وقال الغنوشي إنّ “النهضة” مفتوحة أمام كل التونسيين بمن فيهم اليهود والمسيحيون، “فعدد من هؤلاء صوّتوا للنهضة في الانتخابات الفارطة، ونحن لن نسأل أحدا منهم عن عقيدته، إذا أراد الانضمام للحزب، بل هي مسألة تخصه طالما أنّه قبل ببرنامج النهضة، وقد يكون في قيادتها”، وفق تعبيره.
وقال: “حزبنا اليوم أكثر انفتاحا من ذي قبل أمام المتحجبة وغير المتحجبة ومن يصلي ومن لا يصلي، فهي ساحة مفتوحة أمام الجميع”، مضيفا أنّ جانبا من العمل السياسي اختياري، “لكن الجانب الثاني تفاعلي والنهضة متفاعلة مع الواقع”.
وأشار إلى أنّ حركته تتفاعل مع واقعها فهي تطورت من “جماعة إسلامية” في السبعينيات إلى “الاتجاه الإسلامي” في الثمانينيات قبل أن يصبح اسمها “النهضة”، بما في التسمية من معان عظيمة، في إشارة إلى مرحلة مهمة من التاريخ العربي والنهضة في العالم الغربي.
صنع تونسي
وحول السؤال: هل استشارت حركة النهضة أصدقاءها من “الإسلام السياسي” بخصوص الفصل الدعوي عن السياسي، أجاب الغنوشي إنّهم لا يستشيرون أحدا بخصوص مسائل تهم حركته دون غيرها.. “لدينا صداقات من كل بلدان العالم، وقد حقّقنا من خلالها الإفادة لتونس، لكن لدينا قرارنا الوطني”، وفق تعبيره.
وحول علاقة حركة النهضة بالحركات الإسلامية في العالم، قال الغنوشي إنّ “النهضة صنع تونسي رغم أنها ليست مفصولة عن الحركات الإسلامية في العالم فنحن أمة واحدة .. وهي ينظر إليها على أنها نموذج متميز”.
وحول مدى تحمّل “النهضة” مسؤولية الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد باعتبارها أحد أحزاب الائتلاف الحكومي، قال الغنوشي: “كل حزب يتحمل المسؤولية على قدر مشاركته في الحكم، فنحن نقر بمسؤوليتنا، لكن نقول لمن يريدنا أن نتحمل مسؤولية أكبر، لا بد أن تكون مشاركتنا أكبر”.
منصب الرئاسة
وأضاف:” النهضة تحترم نتائج الانتخابات الأخيرة وأيّ حوار بين الأطراف لتشكيل أيّ حكومة يبنى على أساس اختيارات الشعب والنتائج (…). سابقا قبلنا بوضعنا هذا من حيث عدد الوزراء لكننا غدا (المستقبل) سنتفاوض حول هذا الأمر، وهذا ليس موقفا، ولكن المنطق يفترض ذلك”.
ونفى الغنّوشي أن يكون المؤتمر العام العاشر لـ”النهضة” قد تطرّق إلى مسألة التحضير لتوليه منصب رئاسة الجمهورية، “بل منحني تكليفا بقيادة الحزب مدّة أربع سنوات لا غير”.
وأشار إلى أنّ ما تعانيه تونس اليوم من صعوبات اقتصادية هو ثمن الانتقال من نظام دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي، داعيا إلى النظر إلى البلدان الأخرى كالعراق وسوريا وليبيا.
لكنّه عاب على المتسبّبين في استشراء الفساد .
ووصف الغنوشي مبادرة الرئيس الباجي قايد السبسي الأخيرة بتشكيل حكومة وحدة وطنية بأنها “فكرة عميقة، تندرج ضمن الحكم التشاركي، والدعوة جاءت في الوقت المناسب وأحدثت رجّة إيجابية من أجل إعادة التوازن قبل فوات الأوان”، مؤكدا أنّ “النهضة” ستظلّ داعمة لرئيس الحكومة الحالي الحبيب الصيد، طالما أنّه يتمتّع بثقة الرئيس والحزب الذي كلّفه بتشكيل الحكومة، في إشارة إلى نداء تونس.
الوضع في مصر
وتحدّث الغنّوشي عن الوضع في مصر قائلا إنّه يأمل أن يتصالح هذا البلد مع نفسه، “فالمغالبة لا تصلح والإقصاء لا ينتج إلا الكوارث، وللأسف فإنّ منطق الإقصاء هو السائد في العالم العربي”.
وأشار إلى أنّ الجيش المصري لا يمكن أن يخرج من السياسة كما لا يمكن للإخوان أن ينتهوا فتنشق الأرض وتبلعهم، ومن المنطقي أن يشاركوا أيضا في الحياة العامة والسياسية للبلاد، مؤكّدا أنّه لا يمكن استبعاد الإسلام في السياسة الدولية، فهو لاعب أساسي والعالم اليوم أمامه تجارب عدّة؛ كتجربة “النهضة”، وتجربة تنظيم “داعش”، والتجربة التركية بقيادة أردوغان.
