يتوجه آلاف التلاميذ المغاربة اليوم الاثنين، إلى مدارسهم، في ظل تحديات تواجه سعي وزارة التربية لترجمة شعارها “من أجل مدرسة عمومية ذات جودة للجميع” على أرض الواقع، وفي ظل احتجاجات تخوضها فئات تعليمية لتحقيق مطالب تقول إنها لا تزال معلقة، علاوة على ما تواجهه الأسر من غلاء أسعار الكتب والأدوات المدرسية مع تدهور القدرة الشرائية.
وكان لافتا طلب المعارضة في مجلس النواب، ممثلة في فريق “التقدم والاشتراكية”، قبل أيام من بدء العام الدراسي الجديد، بعقد اجتماع للجنة التعليم والثقافة بحضور وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، لمناقشة “مستجدات الدخول المدرسي”، واعتبر الفريق النيابي، في رسالة وجهها إلى رئيس اللجنة، أن “الحاجة ماسة إلى مناقشة ترتيباتِ الحكومة لإنجاح العام الدراسي، من حيث ضمان الموارد البشرية الكافية، وتوفير الكتب والأدوات المدرسية بأسعار ملائمة لدخل الأسر، وكذا ضبط ومراقبة الممارسات غير المشروعة لبعض مؤسسات التعليم الخاص”.
ولفتت الرسالة إلى أن “الدخول المدرسي يأتي في سياقٍ غلاء ثمن الكتب والأدوات المدرسية في ظل تدهور القدرة الشرائية لمعظم الأسر؛ ونزوع بعض المؤسسات نحو المتاجرة في المقررات والوسائل التعليمية، وفرض أنواع معينة على التلاميذ وأسرهم، إضافة إلى نقص الأساتذة المسجل في عدد من المناطق النائية، وفي عدد من المواد الدراسية؛ وكذا استمرار تردي فضاءات ومرافق الدراسة”.ويأتي بدء العام الدراسي الجديد في وقت تثار فيه أكثر من علامة استفهام حول قدرة وزارة التربية الوطنية على تجاوز تراكم تعثرات المدرسة المغربية، من خلال تفعيل مشروعها الجديد “مؤسسات الريادة”، والذي يندرج في سياق تفعيل روزنامة مشاريع تهدف إلى “مدرسة عمومية ذات جودة للجميع”، ورفع مستوى التعليم الأساسي عبر استثمار الطرق والمقاربات البيداغوجية الحديثة”.وتراهن وزارة التربية على نموذج “مؤسسات الريادة” لإحداث تحول شامل في أداء المؤسسات التعليمية، يرتكز على الانخراط الطوعي للفرق التربوية، وتوفير الظروف المادية والبيداغوجية والوسائل التكنولوجية اللازمة، مع العمل على إرساء نظام للتدريب بهدف تمكين المعلمين من اعتماد ممارسات ناجعة، مع التأكد من تحقيقها الأثر المنشود داخل الفصول الدراسية.
ويتم تطبيق المرحلة التجريبية الأولى من المشروع في 628 مدرسة ابتدائية عمومية، ويستفيد منه 322 ألف تلميذ، بمشاركة طوعية لما مجموعه 10700 معلم في هذه المؤسسات التعليمية، وبإشراف من 158 مفتشاً تربوياً، على أن يتم التعميم التدريجي للمشروع على جميع مؤسسات التعليم الابتدائية بمعدل 2000 مدرسة سنوياً.
ويتذيل المغرب سلم التصنيف العالمي في مؤشر التربية والتدريب، والذي يعد مؤشراً مهماً يقيس مستوى التنمية داخل كل مجتمع، وذلك على الرغم من الجهود التي تقوم بها وزارة التربية للنهوض بالقطاع، وأخرها مشروع “مدارس الريادة” التي تضاف إلى تجارب ومحاولات عدة للقضاء على مختلف التحديات التي يعرفها قطاع التعليم. ويرى الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم التابعة لنقابة “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، يونس فيراشين، أن “أي سياسة إصلاحية في قطاع التعليم يتعين أن تمس المثلث الرئيسي المتمثل في الأستاذ والتلميذ والمناهج، لكن الإصلاحات السابقة لم تدخل إلى الفصل الدراسي. هناك إشكالات مطروحة يتعين بذل المزيد من الجهود لحلها، من أبرزها مشكلة الأقسام المشتركة في القرى، ومعضلة الاكتظاظ، فهناك فصول تضم 40 أو 50 تلميذاً، وهذا لا يمكن أن يتيح جودة التعليم”.ويوضح فيراشين لـ”العربي الجديد”، أن “العام الدراسي الجديد يأتي في ظل نفس التحديات المتمثلة في كيفية اشتغال جميع الأطراف على إصلاح حقيقي للمدرسة العمومية حتى تكون مدرسة للإنصاف والجودة للجميع. المسؤولية الأساسية على عاتق الحكومة التي يتعين عليها تجسيد الإرادة السياسية من خلال إجراءات ملموسة وعملية على مستوى الإصلاح البيداغوجي الذي يشهد تراجعاً كبيراً، فمنذ عام 2002 لم يكن هناك إصلاح عميق للمناهج. ينبغي فتح ورش الإصلاح البيداغوجي أمام كل الفاعلين الذين بإمكانهم المساهمة، مع توفير التجهيزات اللازمة في المدارس، والارتقاء بالأوضاع المهنية والمادية والاجتماعية للمعلمين لنساء باعتبارهم الفاعل الأساسي في أي إصلاح”.
بدوره، يؤكد الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة لنقابة الاتحاد الوطني للشغل، عبد الإله دحمان، على ضرورة فتح نقاش حول الزمن المدرسي، والاختيارات البيداغوحية، بل والهندسة البيداغوجية برمتها، وإعادة التفكير في استقلالية المؤسسة التربوية، وجعلها نواة للتغيير بعد تأهيلها مادياً وقانونياً وتشريعياً، وعلى مستوى البنية التحتية ينبغي توفير مناخ العمل الذي يساعد على الإصلاح والتغيير.وينطلق العام الدراسي على وقع احتقان، إذ دشن التنسيق الثلاثي لجمعيات هيئة الإدارة التربوية احتجاجاته، الجمعة، بتنفيذ ما سماه “دخول مدرسي ساخن”، وعبر شعارات “لا لاقتطاعات الأجور”، و”لا لإقرار نظام أساسي مجحف”، و”لا لتأخير ترقيات عامي 2021 و2022”.
كما أعلنت “التنسيقية الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي”، في بيان، تنظيم وقفة في يوم الدخول المدرسي، أمام مقر وزارة التربية الوطنية، للاحتجاج على “استمرار الوزارة في نهجها المعادي لمطالب أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي، واستهداف مكتسباتهم وحقوقهم العادلة في نظام أساسي عادل ومنصف يحقق العدالة في الأجور”. وانتقد البيان “إصرار الوزارة على تبني سياسة الإقصاء والهجوم الممنهج على حقوق أساتذة التعليم الثانوي في اللجنة العليا المكلفة إعداد مشروع النظام الأساسي الجديد، وتجاهل الجهود والتضحيات التي يبذلونها في سبيل الارتقاء بمنظومة التعليم”.
وتأتي عودة الاحتقان إلى قطاع التعليم مع توجه أنظار فئات عدة إلى اجتماع اللجنة العليا لإعداد مشروع النظام الأساسي الجديد للتعليم، والمقرر في 20 سبتمبر المقبل، والذي يتوقع أن يشهد تقديم المشروع النهائي للنظام قبل عرضه على المجلس الحكومي للتصديق عليه.
وعرف قطاع التعليم المغربي خلال السنة الماضية صراعاً بين وزارة التعليم والنقابات والتنسيقيات والأساتذة، وتبدي جمعيات أولياء أمور التلاميذ مخاوفها من تكرار ذات السيناريو في العام الدراسي الجديد، ما يتسبب في هدر الزمن المدرسي.وبحسب فيراشين، فإنه “من الطبيعي أن يسود الاحتقان لأننا بصدد معالجة مشاكل مستمرة منذ عام 2003، في ظل نظام أساسي خلق إشكالات واختلالات عدة، وتضررت منه فئات عدة، فالنظام الأساسي مدخل لكل إصلاح، وسيسهم في إنهاء العديد من الإشكالات والاختلالات التي عرفتها الوزارة في تدبير العنصر البشري”.
من جانبه، يرى دحمان أن “عدم التزام الوزارة بكل التعهدات والآجال التي تم الإعلان عنها لإخراج النظام الأساسي يعمق من المخاوف داخل قطاع التعليم، والنقابات لن تتردد في الاحتجاج في حال تبين أن الوزارة ماضية في منهجية تعاطيها مع مطالب المعلمين، وابتعادها عن المنهجية التشاركية. لن نزايد، لكننا لن نسكت عن أي انحراف بخصوص الإنصاف، وسنكون جزء من أي دينامية نضالية للفئات المتضررة، كما ستكون لنا مبادرات نضالية مرتبطة بما تقدمه الوزارة من عرض بخصوص المطالب المطروحة”.
ويتابع أن “ما يساهم في إنجاح الموسم الدراسي الجديد هو التعجيل بالاستجابة لمطالب العاملين في قطاع التعليم، وإنهاء حالة الترقب المرتبطة بمخرجات الحوار، وفي مقدمتها تجاوز الصورة المبهمة عن مشروع النظام الأساسي، وتسريع حل الملفات العالقة. نعتقد أن المدخل لإنهاء حالة التوتر داخل القطاع هو إنهاء معاناة كل الفئات المتضررة، ولا نجاح لخطة الإصلاح، أو لأي خارطة الطريق من دون حسم ملف الموارد البشرية، بالإضافة إلى تنظيم حوار وطني يؤسس لنموذج جديد للمدرسة الوطنية العمومية، لأن مقتضيات الإصلاح ما زالت بعيدة عن أن تصبح قناعة جماعية تجعل المنظومة التربوية المغربية قيد التحول في اتجاه الاستجابة لمشاريع خريطة الطريق”.