قلم ذ،،، شني عبد الصمد عضو رابطة قضاة المغرب
العاطفة كيان يصنعه القلب ولا يصدقه العقل، ويقيم له مكانا خاصا يدحض المنطق الذي يؤسسه القانون، ويحلحل فكره القائم على مبدأ ترسيخ المساواة، إذ لا فرق بين غني ولا فقير، ولا صغير ولا كبير، ولا امرأة ولا رجل أمام القانون، وفي هذا تنص المادة السادسة من دستور المملكة المغربية على أنه:” القانون ھو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيھم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بامتثال له .
تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينھم، ومن مشاركتھم في الحياة السياسية
والاقتصادية والثقافية والاجتماعية .
تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتھا، ووجوب نشرھا، مبادئ ملزمة.
ليس للقانون أثر رجعي “.
وعليه فإن الذي يقول:”… لما تنطق العدالة بالحكم تنتابني رعشة في جسدي…”، قوله مردود عليه، يقول أرسطو:” القانون منطق خال من العاطفة”، إنه كلام سديد يؤسس بالعقل مقومات الفكر القويم، فالعاطفة تقتل القانون، ولا تقيم له وزنا مهما علا شكله ومضمونه، والمجتمع في بعض الأحيان يصنع العاطفة ويجعل منها تشريعا يقاس عليه، والقاضي يكون بذلك بين سندان العاطفة ومطرقة القانون، فهو الذي يقتلع قلبه ويضعه خارجا قبل الدخول لجلسات الحكم، ومناقشة القضايا وإصدار الأحكام.
يروى أن ضابطا فرنسيا أبلى بلاء حسنا وبطوليا في واحدة من أشرس المعارك التي خاضها نابليون بونابرت، حتى أن هذا الضابط أنقذ جميع أفراد كتيبته من خطر الإبادة والوقوع في الأسر، وصل الخبر إلى الإمبراطور فاستدعى الضابط لتهنئته، وما أن وصل حتى اقترب منه وعانقه ثم علق على صدره وساما حربيا ورقاه.
عاد الضابط إلى قاعدته في الجبهة مسرورا، أضاء شمعة وجلس يخط رسالة إلى أمه يروي لها ما جرى لتشاركه هذه الغبطة، وقبل أن يختتمها فوجئ بوقع أقدام وجلبة في الخارج، فالتفت ناحية المدخل فإذا به يرى الإمبراطور بنفسه يدخل إلى خيمته مع شلة من الجنود، وبعصبية سأل الضابط: لماذا تضيء الشمعة؟
ألا تعرف أن ذلك ممنوع ومخالف للقانون، باعتبار أنها إشارة للعدو يستغلها للفتك بالخصم؟ فأجاب الضابط أنه أراد نقل مشاعر الفرح إلى والدته بعد حصوله على الوسام الرفيع، انتزع نابليون الرسالة من يد الضابط وجلس يكملها كالتالي: “سيدتي أهنئك على إنجابك هذا البطل الذي أبلى بلاءً حسناً في الجبهة، لقد رفع شرف فرنسا وكان قدوة صالحة لباقي رفاقه، لكن في الوقت نفسه يؤسفني أن أبلغك أنني أعطيت أوامري لتنفيذ حكم الإعدام غداً في ابنك لأنه خالف القانون بإضاءة شمعة، وكاد بعمله هذا أن يعرض سلامة الفيلق بكامله للخطر، وبكل محبة آمل أن تتفهمي ذلك”.
أغلب الذين يقرأون هذا المقال يبدو لهم أن فعل الإمبراطور كان قاسيا، لأنه لم يتسم بالشفقة والرحمة، كان عليه أن ينبهه ألا يفعل ذلك مرة ثانية، ويعطيه فرصة التعلم من خطأه، ويخبر ما تبقى من الجيش بهذا حتى يتسنى لهم معرفة الصواب، لكي لا يقعوا في مثل عمل صاحبهم، لكن يمكن أن يحصل هذا داخل الأسرة الواحدة، أما خارجها لا أتصوره إطلاقا، حتى لا تعم الفوضى بين ثنايا الأمم، ويكون لسيادة القانون حضور قوي، بعيدا عن العاطفة، يقول غاندي: “لا يمكن تصنيع العاطفة أو تنظيمها حسب القانون”،
إذ أن القانون لا يتأسس على تعليمات القلب، بل على ما يؤسس له العقل، وإن كان المشرع في بعض الحالات يغلب عنوان القلب على عنوان العقل كما في قتل الأم وليدها(الفصل 397 من ق ج)، والقتل الذي يقع ارتكابه ” نتيجة استفزاز ناشئ عن اعتداء بالضرب اوالعنف الجسيم (الفصل 416 من ق ج)”، والقتل الذي يقع ارتكابه من طرف الفاعل ويقصد به دفع تسلق او كسر سور او حائط الى اخره ( الفصل417 من ق ج)، وقتل الزوج لزوجته وحدها او قتله لشريكها او قتلهما معا، في جريمة الخيانة الزوجية، حين يجد زوجته متلبسة بها مع رجل أجنبي (الفصل 418 من ق ج ).
وبما ان عملية القتل، في هذه الاحوال، تكون ناتجة عن استفزاز القاتل نتيجة الحالةالنفسية التي يكون عليها وقت ارتكابه فعل القتل، فان القانون الجنائي في الحالات والفصول المشار اليها اعلاه، قرر توفر عذر مخفف للعقاب، وهنا تتأكد عاطفة المشرع في التعامل مع هذه الوقائع التي يأخذ فيها عنصري الشفقة والحنو مكانا خاصا، رغم أن الجرائم واحدة وإن كانت الوقائع تختلف، لكن في غالب الأحيان يكون المجرم قد اختار عن طواعية ارتكابه لجرائمه، وإن كانت الظروف والملابسات تختلف من مجرم لآخر، لأن المجرم بالصدفة ليس هو المجرم بالطبيعة، وهكذا، لذلك أدرج المشرع بعض الجرائم تعامل معها بالعاطفة أكثر من العقل، وهي على سبيل الحصر ولا مجال للتوسع فيها، لكن ما يلاحظ وأنا أتابع بعض مواقع التواصل الاجتماعي كيف لبعض الناس في المجتمع يحاولون فرض العاطفة على المنطق القانوني في أكثر من نازلة، رغم جهلهم بوقائعها، وموقف القانون منها.اختصارا للكلام أقول:” منطق العاطفة لا يتفق مع منطق العقل”، ” وكلما اتسع نطاق الإحساس والشعور تغلبت العاطفة على العقل” هكذا نصت الموسوعة العربية… انتهى…