كاتب صحفي ومدير النشر للجريدة حقيقة نيوز.نت
توقيع رواية “أُوفُوغْ”، خروج شاب ريفي إلى الجزائر
في موعد أدبي وثقافي من المستوى الرفيع، احتضنت مكتبة المركب الثقافي بالناظور مساء يوم الجمعة 18 نونبر 2022 حفل توقيع رواية “أُوفُوغْ” أو “الخروج” للكاتب الأمازيغي مصطفى القضاوي، من تنظيم كل من جمعية أمزيان وجمعية الكتاب الأمازيغي، وبتنسيق مع المديرية الجهوية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة بجهة الشرق، ومركز أموسيغ للترجمة من وإلى الأمازيغية.
وما ميز هذا الحفل، هو حضور الوجوه البارزة في الساحة الأدبية والفنية والسينمائية، ناهيك عن الأساتذة والباحثين والمهتمين بالشأن الثقافي والأدبي الأمازيغي. في البداية، افتتح الأستاذ عبد الواحد حنو مسير الجلسة بكلمة ترحيبية وتقديمية أحاط فيها بضرورة إيلاء العناية إلى الكتاب الأمازيغي، وتشجيع الكتاب على مواصلة جهودهم في الإبداع وإغناء المكتبة الأمازيغية، خصوصا في الجانب السردي والقصصي الذي ما أحوجنا إلى خلق تراكم في هذا المجال. وهذا ما تصبو إليه جمعية الكتاب الامازيغي، ووضعته رهن أعينها كأولوية من الأولويات، فاتحة ذراعيها لكل المبادرين في هذا الاتجاه، خدمة للأمازيغية وللأدب والثقافة.
وقد كانت مناسبة ليستمع فيها الحضور إلى مجموعة من الآراء والوجهات، أدلى بها الكاتب مصطفى القضاوي حول روايته “أُوفُوغْ”، وقبلها روايته الأولى “ussan inderyen sadu lalla turtut” (الأيام التي اختفت تحت شجرة التين المقدسة)، مداخلة أخرج فيها الكاتب ما يخالجه من شعور حيال مولوده الأدبي الجديد، مارا عبر مجموعة من الإكراهات التي لا زالت تعترض الكاتب الأمازيغي، في جوانب شتى.
بعده، تناول الكلمة الأستاذ عبد الرزاق العمري، الباحث والخبير بالعديد من خبايا الأدب الأمازيغي، إذ أفرغ أحداث الرواية ملخصا إياها بأسلوب أدبي مشوق، وباللغة الأمازيغية التي كتبت بها الرواية. حيث أن هذه الأحداث تدور حول شاب من الريف في مقتبل العمر قُتل أبوه، وكان شاهدا على مقتله، هذا الحدث التراجيدي حدا به إلى التفكير في المغادرة أو الخروج، لتتزامن مع مغادرة جماعية، أو لنقل خروجا جماعيا، لأن الجوع والقحط وقساوة ظروف العيش في الريف قد كانت السبب الكافي الذي دفع في اتجاه خروج الجماعة، أو مغادرتها. وجهة الشاب حدو ستكون هي الجزائر، وهناك سيلتقي بأجنبية تدعى “إيما”، وهو اسم قريب من المعنى الأمازيغي للأم “أمي”. بعد أن احتضنت “إيما” هذا الشاب، وترعرع بين أحضانها، ستتطور العلاقة بينهما إلى الغرام والعشق. إلى أن يأتي حدث استقلال المغرب الذي سيدفع الشاب حدو للتفكير في الرجوع إلى بلده وموطنه، منتشيا بحدث الاستقلال والقضاء على الاستعمار. إلا أنه سيصطدم بواقع مرير، وهو أن مجموعة من الممارسات الاستبدادية لا زالت سائدة رغم خروج الاستعمار، وقد تجسدت في ما كان يقوم به القائد دودوح الممثل للسلطة في بلدته تاوريرت. كذلك، يلتقي الشاب دودوح بالشابة ميمونت، ويدخل معها في علاقة حب وغرام، دون أن ينسى عشيقته الأولى “إيما”. ليدفعه الحنين لزيارة بيت أسرته الذي كانت تسكنه المرأة التي كانت وراء مقتل أبيه، وقد وجدها تحتضر، وعوض الانتقام أو الثأر من تلك الجريمة، عاملها بطريقة أخرى مقبلا يدها. وقد أبرز الأستاذ العمري أن شخصيات الرواية أغلبيتها من النساء، لكل شخصية قصتها التي تميزها في الرواية، وهي امتداد للشخصيات التي أوردها الكاتب القضاوي في روايته الأولى. هذا بالإضافة إلى أن الأستاذ العمري قد أعرج على أزمنة الحكاية وأمكنتها، وطرق وأساليب الكاتب في البناء السردي، ودقته في وصف الأمكنة والشخصيات بطريقة سينوغرافية.
من جانبه، وفي قراءة نقدية رائعة، وقف سليمان البغدادي، أستاذ الأمازيغية في كلية سلوان، ورئيس مركز أموسيغ للترجمة من وإلى الامازيغية، على العديد من الخبايا والأمور التي تحيط بالرواية، سواء من حيث الشكل أو اللغة أو الأساليب، وحتى الخطاب الروائي الذي نهجه وينهجه الكاتب القضاوي. حيث وضح البغدادي أن بنية كلتي الروايتين التين كتبهما شبيهة إلى حد كبير ببنية الحكاية الشفوية التقليدية، خصوصا وأن الأحداث تبتدئ فيها بالسير والمسير، ثم العودة فالنهاية. وهو ما يعني أن الكاتب القضاوي، وعبره أبرز ما كتب من الروايات، لا زالت مشدودة إلى الموروث الشفاهي، لم تستطع أن تنفض نفسها لتعلن عن خط يميزها ويستقل بها كتابة.
ويتجسد هذا أيضا في القبض بيد من حديد على الذاكرة واستحضارها بقوة في الخطاب الروائي للقضاوي، محاولا استنطاقها بتوظيف الخيال الذي يلقي بظله على واقع كان ولا زال يشغل الأذهان، ويلقي بثقله على ذاكرة مثقلة بالأحداث التي يصعب أن تُتناول أمور أخرى دونها إبداعيا وأدبيا. إنه مكر التاريخ و “لعنة” الجغرافيا التي أثخنت ذاكرتنا وأشبعتها بأحداث تكدست عبر الزمن وعبر الأجيال، صانعة ميزة لنا، هو أننا مشدودون إلى الذاكرة، في إبداعاتنا واحتجاجاتنا وكتاباتنا… وربما قد يصعب علينا التخلص من خيوط هذه الميزة التي نصبها لنا القدر والتاريخ.
وقد بين الأستاذ سليمان البغدادي كذلك، وفي مضمار حديثه حول الخطاب الروائي عند الكاتب مصطفى القضاوي، كيف أن الشخصية الرئيسية لرواية “أُوفُوغْ” (الخروج) تتكلم بخطاب نسوي، مستعرضا في ذلك العديد من الأمثلة الواردة في الرواية. بالإضافة ذلك، فالقضاوي، حسب ما ورد في مداخلة البغدادي، يكلّم الفضاءات والأمكنة، ويجعلها بمثابة شخصيات أخرى لها روح.
في الأخير، فتح المجال لمداخلات الحاضرين التي تفاعل معها الأساتذة، في جو أدبي وعلمي راق، بعدها تم توقيع الرواية، مع أخذ الصور، ثم أسدل الستار عن هذا الحفل الذي استحسنه الجمهور الحاضر.