بصمت جمعية أمزيـان بالناظور بنجاح زوال السبت 20 نونبر 2021، بقاعة مكتبة المركب الثقافي بالناظور، على تنظيم حفل تقديم وتوقيع كتاب “الرّيف زمن الحماية الاسبانيّة”، الذي صدر حديثا للدكتور أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس سليل الناظور ميمون أزيزا، وذلك بمناسبة حلول الذكرى المئوية لمعركة أنوال المجيدة، المتزامنة مع تخليد الذكرى التاريخية لعيد الاستقـلال.
وأثّـث أطوار المسائية، كلا من الدكتور محمد أحميان بوصفه أستاذاً في التّاريخ المعاصر بجامعة محمد الأول بوجدة، والدكتور الباحث في تاريخ الريف عبد الوهاب برومي، وذلك بحضور باحثين أكاديميين ومتخصصين ومهتمين بتاريخ منطقة الرّيف، إلى جانب ثلّـة من نشطاء المجتمع المدني، الذين أغنوا اللقـاء بآرائهم وتساؤلاتهم وتفاعلهم المكثف مع الإصدار الذي ألقى الضوء على تاريخ المنطقة “من الأسفل” بتعبير مُؤلفـه.
وقال الدكتور محمد أحميان، في تقديمه للكتاب الموسوم بعنوانٍ فرعي “1912 – 1956 الاستعمار الهامشي”، إن الإصدار موضوع الحديث، لـه أهمية بالغة في مجال تاريخ الرّيف، على اعتبار أنه يتناول عدة قضايا هامّـة، كما أنّ له مكانةً كبيرة في خزانة المؤلفات البحثية والدراسات التاريخية المنجزة حول الرّيف، مورداً أن المُنجز البحثي يستمد أهميته من كونه يتناول موضوعاً لم يتعرّض له العديد من الباحثين والدّارسين، منه بالأساس رصده للتحوّلات الاقتصادية والاجتماعية نتيجة الاستعمار الإسباني للمنطقة.
ومن جملة القضايا الهامّة التي تناولها الدكتور أزيزا في كتابه – يضيف أحميان – قضية الهجرة إلى الرّيف، التي أخذت ظاهرتها في التنامي منذ منتصف القرن التاسع عشر والتي استمرت إلى غاية استقلال الجزائر، ورصد تحوّلاتها من هجرة موسمية إلى هجرة مستقرة وكذا تحوّلها على المستوى العددي زمن الاحتلال الإسباني؛ وتناول المؤلَف أيضاً مسألة ظهور الفئة العمّالية بالرّيف عقب توالي هجرات الرّيفيّين شرقا إلى الجزائر، قبل إتساع رقعة القوّة العاملة مع دخول الاستعمار الإسباني شمال المغرب.
مردفاً أنّ كتاب “الريف زمن الحماية الإسبانية” يرصد كذلك مسألة التحولات المجالية التي ظهرت مع بداية الاحتلال، وظهور مجموعة من المراكز الحضرية التي كان لها أساساً الارتباط بالأنشطة الاقتصادية، كاِرتباط مركز أزغنغان بمنجم الحديد، و”صبرا” بالاستغلال الزراعي، وتيزطوطين بالاستغلال الفلاحي، وتطرقه أيضاً إلى دور ثغر مليلية المحتّل في تحوّلات المنطقة ومدى احتكاك الأهالي الذي أفرز تأثيرات مهمة على هذه الربوع إنْ اقتصاديا واجتماعيا.
بدوره أبرز الباحث عبد الوهاب برومي، أن الكتاب المُحتفى به، درس إشكاليات جمّة، من ذلك ما يتعلق بالمجال السكّاني والعمل المأجور والهجرة وغيرها من الإشكاليات الأخرى، موضحا أن هذا المنجز البحثي هـو في الأصل أطروحة جامعية أعدّها الدكتور ميمون أزيزا باللغة الفرنسية سنة 1994، قبل ترجمة نسختها الأصلية إلى الإسبانية سنة 2003، ثم ترجمتها إلى العربية بعد إخضاعها لتنقيحٍ وتطعيم أتاحت إضافات قيّمة جدّ مهمة، مما أصبح بذلك الكتاب يشكل منعطفاً في مسار الكتابات التاريخية حول منطقة الريف.
وأشار برومي في معرض مداخلته، إلى أن الدكتور ميمون أزيزا، حالفه التوفيق كما نجح إلى حدّ كبير في محاولته مدّ الجسور بين البحث التاريخي والبحث الاجتماعي، لافتـا إلى أنّ ما تعرّض لـهُ في مؤلَفِه “الريف زمن الحماية الاسبانية” لم يجرِ التطرق لـه قبلاً من لدن الباحثين الدارسين لتاريخ منطقة شمال المغرب.
وعـن “الريف زمن الحماية الاسبانية”، يُبيّن الباحث ميمون أزيزا، أن كتابه كان في صيغته الأولى موجهاً للجامعيين والباحثين المتخصصين، غير أنّـه حاول لاحقاً تقريبه للمهتمين عبر ترجمته للعربية لتعميم الفائدة، إذ يسلط الضوء على بعض سمات الاستعمار الإسباني بشمال المغرب، كما يحاول تحديد طبيعة هذه التجربة الاستعمارية المختلفة عن مثيلتها الفرنسية، وتحديدا احتكاك ما أسماه بالاستعمار الهامشي مع فقراء وبسطاء المنطقة.
وأوضح المتحدث أن مُؤلفَهُ يتحدث عن تاريخ الريف من الأسفل، في محاولة لإبراز خصوصية المنطقة قبل وبعد الماكينة الاستعمارية وكيفية تحوّل الإنسان الريفيّ انطلاقا من احتكاكه مع الوافد الإسباني المستعمِر، معتبراً أنّ كتابه وإنْ كـان قد صيغ لغرضٍ أكاديميّ صرفٍ على شكل أطروحة جامعية، فإنـه مـا يزال إلى الحين ورشـاً بحثيّا ودراسيا مفتوحـا، قائمـاً على استناداتٍ ووثائق ومعطيات تاريخيّة متحصل عليها، كما أنـه لـم يتكئ على التّاريخ الرسمي قـطّ.
تجدر الإشارة إلى أن الباحث ميمون أزيزا، سليل حاضرة الناظور، حصل على الدكتوراه في التاريخ من جامعة باريس الثامنة سنة 1994، وهـو حاليا أستاذٌ في التاريخ المعاصر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، فضلا عن عمله كأستاذٍ زائر في جامعات أجنبية وعربية، إضافة إلى كونه عضوًّا بمركز الدراسات المتوسطية بجامعة مدريد المستقلة وفي الجمعية المغربية للبحث التاريخي، كما تتمحور أبحاثه حول الحضور الإسباني بالمغرب وتاريخ العلاقات الإسبانية المغربية.
هذا وعلى صعيد آخر، سُجّل غياب المندوب الاقليمي لوزارة الثقافة بالناظور “حفيظ البدري”، عن حضور أشغال اللقاء كما هي عادتـه منذ سنوات مع المواعيد والأنشطة الثقافية والفكرية الهامة بالناظور، وذلك رغم الطلب الذي تلقاه من لدن جمعية أمزيان بتاريخ 04 نوفمبر الجاري، وكذلك مراسلتها الموجهة بهذا الخصوص للمدير الجهوي لوزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة بجهة الشرق، وهـو ما بات يثير امتعاضا واستياءً عارمين في أوساط نشطاء المجتمع المدنـي.