زبيدة بولعيش تعرض بالرباط زهو أحلامها بألوان شاعرية
تقدم الفنانة التشكيلية المغربية زبيدة بولعيش في معرضها الجديد المقام حاليا برواق النادرة بالرباط، عالما ساحرا في المتعة البصرية، يمد الملتقي بفيض من الطاقة الإيجابية، والمشاعر الجياشة، التي تفضي به إلى ضفاف التمني والاشتهاء والانتشاء والاندهاش.
في لوحات الفنان زبيدة بهجة ألوان دافئة، وخصوبة تيمات تمجد في العمق نخوة الهوية المغربية الأصلية التي تتجدد بمعانيها وأنساقها ودلالاتها في كثير من الصور السياحية الرائعة، التي تمنح للمتلقي أفقا راقيا، يتسع لاستكشاف ذلك الثراء المغربي المتنوع في التاريخ والثقافة والحضارة والعادات والطقوس والهوية التراثية والشعبية، والمعيش اليومي في كثير من المحطات والحواضر، وتلك هي متعة الهوية وشرفها حين تتجسد على لوحة من شدة سحرها تكاد تنطق بالهادئ البنفسجي الشفيف.
في معرض زبيدة الجديد، والذي يستمر حتى ال 28 من شهر ماي الجاري، فوح ورود، وضوء قمر، ولذة فواكه، وكأس شاي قريب من الخاطر، هناك أيضا ظلال قصبات في الجنوب الجميل، طيور تحلق بأجنحة من أحلام، مزهريات توضح، كم هي جميلة زينة بلادي، حيث تضع على جبين ثقافتها قيمة الفن الحرفي الرفيع، الذي يتناسق بشكل تلقائي وبديع مع الطبيعة، وتلك هي بعض من أجزاء التقنية الرقيقة التي توظفها الفنانة زبيدة في التعامل مع اللوحة التي تصنعها في أوقات معينة وبطقوس خاصة لا تخلو من شغف بالفنون البصرية الممتعة جدا.
إن لوحات الفنانة زبيدة في هذا المقام، مناجاة فنية ساحرة، ونضم شعري مرصع، حيث تفتح الفنانة ابواب عوالمها الشعرية، التي تزهو، برقة الشعراء والحالمين بزوايا مضيئة في سماء التشهي كأنها القمر، تلك هي لوحات الفنانة عبارة عن قصائد موحية موغلة في العنفوان، حيث القمر ينام في سماء حزينة، ومعه تضاء كل أرجاء الروح رغم الهواجس والمواجع والجراح، وحيث الورود الراقدة في هدوء تام تنتظر من يهديها للمحبين في أعياد الميلاد، إنها لوحات تينع من لغة سوريالية مبهمة لكنها تفيض بكثير من المعاني والدلالات الثرية، إنها كتب موصدة، وكنوز مغلقة، إنها بحر يضيء بشموع المحبين الساهرين، وزوارق تسافر بعيدا الى حيث اللادرياء، إنها تسابيح بحمد الخالق على مآذن السلام، والله أكبر.. الله اكبر.
هكذا ترسم الفنان زبيدة، وفي رسمها إنارة سراج الحقيقة التي تبحث عنها هنا وهناك، حيث المسحة الصوفية تينع بلوس الناسكين، فتحيل الفن التشكيلي في حضرتها، الى عالم للخشوع والسكينة الربانية التي تشع نورا على نور. ثمة إذن تقدم الفنانة زبيدة في معرضها الجديد فيض لوحات خصبة للغاية، تتنوع مواضيعها وقضاياها، ليكون الرسم في تجربتها الفنية نوعا من مساءلة الروح والجسد والتواصل مع الآخر، واستنطاق العوالم الغيبية عبر سحر اللون ووداعة الضوء، إنها تجربة فنية جديدة، تزهر من معين قاموس تشكيلي يمجد في الأساس الحياة في بعدها الجمال والإنساني، وبالتالي يمكن اعتبار الفنانة في هذا السياق، واحدة من التجارب التي تتجدد، وتمتطي صهوة الفن التشكيلي باتجاه ضفاف الأحلام، تلك الأحلام التي جسدتها في مشاهد سوريالية تارة، وأخرى في صور روحية ومجتمعية، وطبيعية، وهوياتية تشكل إحدى الأنساق الحضارية والتاريخية والثقافية والإبداعية… إنها باختصار لوحات تخاطب العقل والروح والعاطفة، بطريقة إبداعية فيها كثير من الشغب الفني الجميل، وهو يجعل من تجربتها المميزة واحدة من التجارب النسائية المهمة التي تؤسس لفن تشكيلي جميل يسائل القصيدة الشعرية والروح والوجدان، لتكون زبيدة شاعرة حقيقية ترسم باللون زهو أحلامها كما تريد لا كما يريد الآخرون، أحلام تضيء كالشموع كالقمر، وتتفتح كعطر الورود، في مزهريات غاية في التوهج والإبهار.
المصطفى الصوفي
ناقد فني