الأربعاء .. 06.09.2023
عبدالحق خرباش.. كاتب صحفي ومدير النشر HAKIKANEWS.NET
سادت خلال الأسابيع الماضية مخاوف في المغرب من اندلاع حرائق غابات شبيهة بتلك التي اجتاحت خمسة أقاليم شمالي البلاد العام الماضي، وأتت على آلاف الهكتارات، كما تسببت بخسائر في الأرواح. وعاش المغرب خلال شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب الماضيين على وقع موجات حر شديدة تزامنت مع توقعات رسمية بتزايد خطر نشوب حرائق، بسبب الجفاف وموجات الحرارة.
ويشهد المغرب سنوياً حرائق في غاباته التي تغطّي نحو 12 في المائة من مساحته، وكذلك في واحات النخيل التي تقع في مناطق الجنوب. والعام الماضي، التهم نحو 500 حريق 22.762 هكتاراً من مساحات الغابات، بحسب ما أعلنته الوكالة الوطنية للمياه والغابات في مايو/ أيار الماضي.وتؤكد الوكالة أن “الفضاءات الطبيعية المفتوحة للغابات تتعرض لضغوط عدة تؤثر سلباً في أدوارها البيئية والاجتماعية والاقتصادية، علماً أنها تواجه، كما باقي الغابات في منطقة البحر الأبيض المتوسط، تهديدات أكبر بالاشتعال خلال فصل الصيف، بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض رطوبة الهواء، وشدة الرياح الجافة والساخنة”.
وفي ظل المخاوف من تكرار حرائق العام الماضية، كان لافتاً دق المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المغرب، وهو مؤسسة دستورية، ناقوس الخطر أخيراً في شأن النظم البيئية للغابات. وهو شدد على أن هذه النظم تتعرض لتدهور مقلق يقدر بنحو 17 ألف هكتار سنوياً.
يقول الباحث في قضايا البيئة والتنمية المستدامة رئيس جمعية “بييزاج لحماية البيئة بأغادير”، رشيد فاسح، إن “حرائق الغابات ذات تأثيرات سلبية للغاية على النظام البيئي، وهي تتضاعف بسبب مشاكل التغيّر المناخي، وتتمثل انعكاساتها في القضاء على التنوع النباتي من أشجار ونباتات طبية وعطرية، وأيضاً التنوع الحيواني من طيور وزواحف وغيرها”.
ويوضح، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أنه “حين تجتاح الحرائق منطقة معينة يلحق ذلك أضراراً كبيرة جداً بالغابات، ويساهم في تلوّث الهواء ورفع مستوى ثاني أكسيد الكربون في الجو، كما يخلق إشكالات تتعلق بإعادة إحياء المناطق المحروقة الذي قد يتطلب عشرات السنوات كي تعود الحياة فيها إلى ما كانت عليه في السابق. كما يفاقم التغيّر المناخي وشحّ كميات الأمطار الوضع البيئي، ويسيء في شكل كبير إلى النظام البيئي للغابات”. يضيف: “إلى ذلك تؤثر حرائق الغابات على التنمية الاقتصادية بسبب تهديدها سلامة وأمن سكان المناطق المحيطة بالغابات ومصادر رزقهم، كما تحتم بذل أجهزة الدولة جهوداً كبيرة لإطفاء الحرائق، في وقت تعاني البلاد من شحّ وندرة في المياه وجفاف وموجات حر”.من جهته، يحذر الخبير في مجال البيئة رئيس جمعية “المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ”، مصطفى بنرامل، من الانعكاسات السلبية للحرائق المتتالية وتأثيرها على وظائف الغابات في الحفاظ على توازن النظام البيئي، ويقول لـ”العربي الجديد”: “تؤثر الحرائق في خصائص التربة ما يؤدي إلى تآكلها، وكذلك في زيادة حدة التعرية التي تتسبب في فقدان الغطاء النباتي، كما تسبب في مخاطر ثانوية مثل الفيضانات والانهيارات الأرضية بعد حدوث الحرائق”.
كذلك تنعكس حرائق الغابات على تلوّث الهواء جراء تصاعد الدخان والغازات المختلفة في الجو. وقد تنتقل هذه الانبعاثات عبر طبقة الستراتوسفير والتيارات الهوائية إلى مناطق بعيدة، ما يوسّع مساحة التلوّث.
وبين التأثيرات الكبيرة لحرائق الغابات تقليل الغطاء النباتي إلى حدّ كبير، والتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري جراء فقدان الأشجار والنباتات التي تلعب دوراً مهماً في امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وإطلاق الأكسجين. ويوضح بنرامل أن “تأثير الحرائق يتجاوز الغطاء النباتي إلى فقدان الحيوانات التي تعيش في الأشجار والنباتات، ما يزيد التهديدات التي تواجهها حيوانات مهددة بالانقراض”.ومن أجل مواجهة الانعكاسات السلبية لحرائق الغابات على النظام البيئي، يؤكد بنرامل ضرورة أن “يتحمّل جميع الأشخاص مسؤولية منع الحرائق، خاصة أن الغابات قد تستغرق عشرات السنوات أو حتى مئات كي تتعافى من الأضرار التي تلحق بها. و”إلى جانب حملات التحسيس والتوعية التي يجب تنفيذها في الغابات والمناطق المجاورة يجب التركيز على النصائح الخاصة بكيفية منع حرائق الغابات، ومنح المواطنين المعرفة المطلوبة لتغيير عاداتهم خلال وجودهم في الهواء الطلق”.
ويرى فاسح أن السلطات والفاعلين في مجال الغابات والجمعيات المهتمة بالبيئة يجب أن تنفذ حملات توعية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً خلال الفترات التي تشتد فيها الحرائق. وانطلاقاً من التجربة التي بدأتها جمعيتنا عام 2018 وعملها طوال ثلاث سنوات في مناطق محيطة بغابة تكنت اينو بمحافظة أغادير ادوتنان (جنوب) يمكن استنتاج أن قافلة التحسيس والتكوين التي أطلقتها لمكافحة حرائق الغابات والتصدي العاجل لها، نجحت في الحدّ من الحرائق في المنطقة بفضل تأهيل 15 متطوعاً من أبنائها في مجال مكافحة الحرائق، وتزويدهم بكل الإمكانات التقنية اللوجستية الضرورية للتدخل في إخمادها”.وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أوصى، في اقتراحات قدمها في 3 مايو/ أيار الماضي، وتضمنها ملف بعنوان “النظم البيئية للغابات في المغرب: المخاطر والتحديات والفرص” بـ”تفادي الانعكاسات السلبية لتدهور رأسمال الغابات من خلال تكثيف عمليات إعادة التشجير والتخليف عبر تنظيم حملات وطنية، وتحديد المساحات المستهدفة، وتعزيز الاستثمارات المستدامة، وتقديم الحوافز الضريبية للمقاولين المعنيين، وإعادة النظر في الاختيارات المتعلقة بأصناف الغابات المعنيّة بإعادة التشجير والتخليف”.
وأكد المجلس ضرورة إنشاء مدونة للغابات لتحديد حقوق والتزامات كل الأطراف المتدخلة، والتدقيق في أساليب حماية التنوّع الحيوي، وتحسين سلامة النظم البيئية للغابات، ومكافحة الحرائق، وتأمين المساحات من خلال استكمال حفظ المساحات المتبقية”.
العربي الجديد